رحلة المصحف | حـ 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

رحلة المصحف | حـ 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, رحلة المصحف
مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات. كتاب الله قسّمه المسلمون إلى ثلاثين جزءًا، وكل جزء قسموه إلى حزبين، فأصبح ستين حزبًا، وكل حزب قسموه إلى أربعة أرباع، فيكون أربعة في اثنين بكم؟ بثمانية، وفي ثلاثة يكون بكم؟ يكون بمائتين وأربعين مرة. قلنا مائتين وثمانين، وهذا خطأ لأنه عدا السهو والخطأ والنسيان، انظر الكتاب ثابت، نحن نخطئ نعم، لكن الكتاب ثابت، ها كتاب الله ثابت، هو كذلك. افترض أننا أخطأنا، اخطئ يا أخي كما تشاء، لكن كتاب الله ثابت. الكتاب تُرجم إلى مائتين واثنتين وثلاثين لغة، تُرجم إلى الإنجليزية مائتين وستٍ وسبعين
مرة. هل كل هذه الترجمات صحيحة؟ قال: لا، ومنها مغرضة ومنها كذا وكتاب الله ثابت انظر إلى الحلاوة، الأصل ثابت. ها هو تريد محاكمتي ومراجعتي. تراجعني على كتاب الله، يفتح كتاب الله وتقول واحد بيسمع لسيدنا الشيخ. فاختلفوا في آية، قالوا هذه الآية ليست كما قلتها أنت، إنها خطأ. قال: لا، أنا قلتها صحيحة. اختلفا هما الاثنان، التلميذ والشيخ فى الامتحان عندنا في الأزهر نفتح كتاب الله، نحن سنجلس ما دام كتاب الله ثابت، فإذا هو حجة علينا ولسنا نحن الحجج عليه. كتاب الله سبحانه وتعالى لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه. هذا الكتاب الكريم مائة وأربعة عشر سورة، وهذه المائة وأربعة عشر سورة. هذه السور يا إخواني من عند الله وبأمر الله، وكان جبريل إذا نزل بالآية يدل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بين هذه وتلك، فيضعها النبي صلى الله عليه وسلم في مكانها. هذا القرآن المعجز الذي وصل إلينا بهذه الكيفية العجيبة الغريبة التي لم يصل بها أي نص في العالم حتى. حديث سيدنا رسول الله، حديث سيدنا رسول الله
وضعنا له عشرين علماً لكي نضبطه، ومع ذلك جاء فيما يُسمى بالرواية بالمعنى، أي أن الصحابي أو الراوي يروي ما فهمه. أما هذا الكتاب فلم يُرْوَى بالمعنى، بل رُوي بنصه وفصه، رُوي بلفظه وحركاته وسكناته، رُوي كما هو وكما أُنزل. هي الحقيقة البسيطة هي التي يعيش فيها المسلمون كثير جداً من الأجانب لا يعرفون أن هذا الكتاب وصل بهذه الكيفية لأنهم لم يروا مثل هذا في أي نص لا بشري ولا إلهي أن يصل هكذا ويكون أصلاً ويكون ثابتاً، فأحياناً يقولون لنا
في المؤتمرات: "حسناً، لماذا لا تغيرون بعض القرآن هكذا وتحذفونه؟" اختصروه، اعملوا مختصر القرآن الكريم، فذكروني برواية حدثت عندنا في الأزهر. وما دام هناك أزهر فهناك علم، وما دام هناك علم فهناك كتب، وما دام هناك كتب، فعندما تذهب إلى منطقة الأزهر تجدها كلها مكتبات، لأن المسلمين عبر التاريخ كانوا أهل علم وكتب، أحبوا الكتب كثيراً، فتوجد مكتبات كل مكان ما دام فى إسلام فى مكتبات وفى كتب كل كتب فيجي ويقول: طيب لدينا رجلٌ اختصر صحيح مسلم، اختصر صحيح مسلم وسمّاه "مختصر صحيح
مسلم للمنذري". اختصر صحيح مسلم رجلٌ عالمٌ اسمه المنذري، اختصر صحيح مسلم وسمّى الكتاب ماذا؟ "مختصر مسلم". فجاء رجل ريفي إلى صاحب المكتبة، ويبدو أن أحداً سخر منه وقال له: "أليس لديك مختصر القرآن الكريم؟" يظهر أنهم قالوا له: "أنت لست حافظًا، ولا تستطيع حفظ القرآن كله، ألا يوجد مختصر له الآن؟" فالرجل بسذاجته جاء يسأل صاحب المكتبة: "هل لديك مختصر للقرآن الكريم؟" فتضايق صاحب المكتبة في نفسه ولم يعرف ماذا يفعل، فطلب منه أن يجلس ليفكر كيف يتعامل معه وكيف يعلمه.
ماذا أقول له؟ أأغضب أم أتعامل معه بالسياسة أم ماذا أفعل به؟ بعض الناس هكذا، تأتي هكذا. فرجل دخل وقال له: "أليس لديك مختصر مسلم؟" قال له: "خذ أخانا هذا، خذ أخانا هذا". فيكون إذاً أخونا هذا هو مختصر مسلم صحيح ليس مختصر صحيح مسلم، بل مختصر مسلم يعني. لا يَعرف حقيقةً من الحقائق. ذكّروني وهم يقولون لنا في المؤتمرات في الخارج: "يا إخواننا اختصروا القرآن". يا إخواننا، لا يُمكن ذلك، فهذا كتاب جاء من عند الله وحفظه الله، لسنا نحن الذين حفظناه، بل ربنا هو الذي حفظه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وفِعلاً ها هو ليس له منافس، لا توجد نسخة ونسخة ثانية ونسخة رابعة
ونسخة عاشرة. حاول الناس عبر التاريخ من غير المسلمين أن يحرّفوه فما استطاعوا. قالوا: حسناً، هكذا، حسناً، حصل خطأ قال كان "عذابي أصيب به من أشاء"، أراها خطأ، "عذابي أصيب به من أساء"، فكلمة "أساء" مثل "أشاء" لأنها فقط النقاط. وكلمة "أساء" أيضاً واردة، يعني: عذابي أصيب به من أساء، وهذا صحيح، أي أن المعنى صحيح، ولكنها كُتبت في الكتب. وضعناها في الكتب. حمزة الزيات وهو صغير، حمزة الزيات أبوه زيات يبيع الزيت، فقال له: "يا بني، أراك هكذا لا تقرأ القرآن، اقرأ". فقال له: "حاضر يا أبي"، ففتح
المصحف. الم ذلك الكتاب لا ريب فيه، فالولد الصغير ذو الاثني عشر سنة يقول "لا زيت فيه"، فغضب أبوه وقال له: "يا بني، ليس هكذا، هذا قرآن". فذهب إلى المكتب ليقرأ على الشيخ، ويسير وفق المنهج العلمي الصحيح، فهذا لم نأخذه من الصحف، بل نحن أخذناه. شيخاً عن شيخ فذهب إلى المكتب فأصبح إماماً في القراءات. لقد تربى الولد بشكل صحيح، سيدنا حمزة كيف تربى بشكل صحيح؟ فكتبنا هذا في الكتب. ثم يأتي أحدهم الآن ينبش في هذه الكتب ويقول لك: انظر، ها هو في القرآن. لا يا حبيبي، هذا الموجود كله. إن ما تقدمه يُثبِت إعجاز القرآن وأنه سليم، وكيف خرج من كل هذه المحاولات سالماً معافى
لا منافس له. أينما ذهبت، سواء إلى كراتشي أو واشنطن أو طنجة أو جاكرتا أو القاهرة أو إسطنبول، فإنني أريد مصحفاً يُعطيك هذا. هذا. لا يوجد منافس له، ولا توجد نسخ متعددة منه. إذاً لماذا فيه "وعذابي أصيب به من أشاء" وهكذا؟ نعم، هذه أخطاء أصبحت حتى تدلنا على إعجاز القرآن وعلى أنه لا يزال محفوظاً من عند الله بالرغم من كل المحاولات. النبي يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترة أهل بيتي". أنتم
تعرفون عترة أهل بيته، ماذا حدث فيهم؟ ذبحوهم ذبحاً، قتلوا سيدنا الحسين وقتلوا أولاده، وبالكاد نجا زين العابدين من القتل. سيدنا الحسن، أولاده لم يبق منهم إلا الحسن المثنى وزيد الأبلج. فربنا يُرينا ويقول: إنني كنت قادراً على إهلاك هؤلاء الأهل ولا يبقى لمحمد أحد ولكن من عند الله بقي أهل البيت وبقي القرآن، فسبحان من أيّد النبي. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته