سائل: سمعت أحد اساتذة الأزهر يتكلم وكأنه ينكر حجاب المرأة !! | أ.د علي جمعة

يقول السؤال أنه سمع أحد أساتذة الأزهر وهو في كلامه كأنه ينكر حجاب المرأة المسلمة. في الحقيقة أن حجاب المرأة وأنه لا يبدو منها إلا وجهها وكفيها إذا بلغت المحيض وكانت في زمرة النساء متفق عليه بين كل المذاهب الإسلامية الموجودة والكائنة قبل ذلك، وهناك خمسة وثمانون مجتهداً كلهم أجمعوا.
وأجمعت الأمة من بعدهم ومعهم على حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود في سننه رآها فقال لها: "يا أسماء، إذا بلغت المرأة المحيض لا يبدو منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه الشريف "وهذان" وأشار إلى كفيه الشريفين صلى الله عليه وآله. وسلم والعبرة ليس في هذا الحديث بل هذا الحديث عنوان على المسألة. العبرة أن الأمة قد اجتمعت كلها على أن هذا هو حكم الله سبحانه وتعالى، وأن للرجل عورة تتناسب
مع ما خلقه الله عليه من صورة وما كلفه من تكاليف في السعي في الأرض وفي تحصيل الرزق وفي الحماية وفي الدفاع عن العائلة أو القبيلة أو الوطن إلى آخر ما هنالك، وأن للمرأة عورة تتناسب مع ما خلقه الله سبحانه وتعالى في شأنها من جسد وما كلفها به من تكاليف. الأمر ليس في رواية أو في حديث أو في كلمة هنا وكلمة هناك، ليس الأمر كذلك. الأمر أننا قد اجتمعنا جميعاً. على حرمة الخمر، فمن قام فينا الآن يحاول أن يقول إن الخمر حلال لا يصح له دين ولا تصح له دنيا، لا دنيا ولا دين لمن قال إن الخمر حلال، ويأخذ
كلمة من هنا وكلمة من هناك، ويزور حديثاً هنا وحديثاً هناك، ويخطئ في فهم هنا وفي فهم هناك من أجل أن يهز بنيان الفقه الإسلامي مثلاً من وجوب الصلاة أو من حرمة الخمر أو من حجاب المرأة المسلمة أو من حرمة الزنا والخنا والفاحشة أو مثلاً من حرمة الربا أو مثلاً من حرمة القتل بغير وجه حق والله لو فعل هذا يخسر دينه ودنياه فالحجاب فرض بالاتفاق والإجماع بين كل مذاهب المسلمين رأينا ثمانية مذاهب عندنا هنا: الحنفية
والمالكية والشافعية والحنابلة والجعفرية والزيدية والإباضية والظاهرية. ما زال إلى الآن علماء هذه المذاهب، خاصة السبع الأوائل، لهم كتب ولهم مدارس فقهية ولهم تفكير وأصول ولهم اهتمام بجمع النصوص وباللغة العربية التي هي أداة الفهم، وهناك بقية الخمسة والثمانين مثل الأوزاعي. والطبري والحمدين والسفيانين وهكذا إلى آخره، كتبهم ليست موجودة. الحسن البصري كان له مذهب في ثمانية مجلدات، ولكن مذهبه ليس له مدرسة، ليس له علماء، ليس له من
ينظمه في صورة شعر، ومن يجعله في صورة متن، ثم يشرح هذا المتن للطلاب، ثم إنه ينقل هذا المتن ويناقش ويبين. أبداً لكن المذاهب الثمانية كذلك، الكل سواء الماضي أو اللاحق أو الحاضر أو كذا، كلهم قد أجمعوا على وجوب الحجاب للمرأة المسلمة، وهو أنه لا يظهر منها إلا الوجه والكفين فقط، يظهر الوجه والكفان فقط، أما بقية الجسم فهو عورة. ونسأل هذا الذي ادعى وهل تذهب إن شاء. الله المرأة
كذلك إلى الصلاة أو أن هذا ما تقوله خارج الصلاة فقط. المرأة حتى هذه التي ثقل عليها الحجاب وكانت من المصليات فإنها تضع الحجاب أو الإسدال في حقيبتها وعندما تأتي الصلاة ترتديه وتصلي. لم نر امرأة قط من المسلمين صلت من غير حجاب، لماذا؟ لأنها تستشعر في داخلها. أن هذا هو الحق وأن هذا هو الذي يجب أن يكون، فهذا الشذوذ أو هذه الآراء نعم تُبتلى بها الأمة عبر القرون، عبر
القرون تُبتلى بها الأمة، ولكنها خارج الإجماع، إجماع العلماء الفقهاء المجتهدين المتصدرين، وورائهم أمة المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأيتم خلافاً فعليكم بالسواد الأعظم". ومن شذ شذ في النار صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا شغل بال وتقسيم للأمة، وهذه الشرذمة التي يحاولها بعضهم ليست سديدة ولا ينبغي أن نقف عندها كثيرًا. النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بوحدة الكلمة وليس بالشذوذ المطلق ولغير مصلحة إلا التشهي وأن يتبع كل واحد منا ما أراد. مما
ذُكِرَ في الكتب هكذا نسمع كثيراً: وسَّع اللهُ فلِمَ تُضيِّقون؟ حسناً، هذه المرة لم يُوسِّع. أنت تقول سأعرض آراء الفقهاء واختاروا أنتم، والاختيار من شأن العلماء المجتهدين وليس من شأن العامة، ولكن هذا دأبك، تريد أن تجعل العوام علماء. حسناً، أين هنا علمٌ اسمه ماذا الذي...؟ قال الذي أنت تقوله لكي نختار ونسير خلفه، قل لي هكذا: اسمه الكرخي أم اسمه الأوزاعي أم اسمه حسن العطار أم أي اسم؟ طيب، حسن العطار كان شيخ
الأزهر. قل لي هذا مثلاً: ذهب إليه شلتوت، ذهب إليه مثلاً الشيخ المراغي، الشيخ الظواهري. قل أي شيء، من الذي ذهب؟ إلى هذا أنت تقول سأعرض عليكم في معرض هكذا وكل واحد يختار ما يناسبه، يا حلاوة! حسناً، ماشي. قل لي إذن من الذي قال هكذا لكي نصبح... ماذا؟ قال: لا، يعني لا يوجد أحد قال هذا، أنا الذي قلت. الله! هل أنت من المتبعين؟ هل أنت في... هل أعطاك أحد شهادة الاجتهاد المطلقة؟ والله لا أبدًا. وعندما حدث هذا، عُرض الأمر على هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فرفضته وأبدت رأيها، وعُرض الأمر على مجمع
البحوث الإسلامية فرفضه وأبى، وعُرض الأمر على أساتذة الجامعات وجامعة الأزهر فرفضوا. إنك تغرد في السرب وحدك، فاتبع من أردت إذًا. مثل هذا الشذوذ البين الذي لم يقله أحد من العالمين من الإنس ولا من الجن. هذا تعبير هكذا بدلاً من أن يترك كل هذا ويقول لك: أنت ذكرت الإنس والجن، ولكن الجن لم نعد نعرف، لم نرهم أم لا. هذا تعبير هكذا، تعبير يعني لم يقل. لم يقل به أحد مطلقاً، يعني معنى الكلام أنه سيترك لك كل ما مضى وسيتمسك لك بماذا؟ بالجن والإنس. فنقول له: لا، دع الجن والإنس الآن، هذا تعبير، تعبير، إكسبريشن، تعبير يعني
تركيبة هكذا، لم يقل به أحد من الإنس والجن، يعني معناه لم يقل به ماذا؟ أحد في العالمين يعني فالنبي صلى الله عليه وسلم دليل الحجاب ماذا؟ وانتبه، الحجاب قديماً كان معناه أن المرأة تقوم وتدخل الغرفة. دائماً نساؤنا اعتدن على أنه عندما يأتي شخص غريب - هل تنتبه؟ - نكون جالسين نحن وأصدقاؤنا وما إلى ذلك، لا أعرف ماذا. لا مانع أن يكون هناك ضيوف يأكلون عندنا ثم يأتي شخص. غريب أمر النساء، ما علاقة هذا بالحجاب؟ بحيث أنك لا تراها، هل تفهم كيف؟ بحيث أنك لا تراها، هذه عادات. فهذا هو الحجاب.
لكنها كانت تأكل معي الآن وهي أجنبية عني. نعم، إنها ترتدي رداءها هذا الذي لم يظهر منها إلا... الوجه والكفين محترمة، في أمانة الله هي وزوجها وأولادها. وبينما كانت زوجتي وأنا جالسين نأكل، جاء الرجل الغريب الذي دخل. فقام الحياء والعادة التي لا علاقة لها بالدين تجعلهم يقومون. ماذا يفعلون؟ يجرون هكذا ويدخلون البيت. هذا هو الحجاب. يا عيني! أرى حديث سيدنا عمر، سيدنا عمر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت... في نساء كاشفات وجوههن وأيديهن لأنهن كن عندما يخرجن خارجاً يضعن النقاب تماماً، وعندما
يدخلن المسجد يرفعن النقاب، وذلك لأننا أصبحنا مع بعضنا نعرف بعضنا، فكن عند سيدنا النبي رافعات النقاب لأنه منهن مثل الوالد للولد، لا يوجد شيء في ذلك، وبعد ذلك هن لم يكشفن شعورهن ولا. عندما كان سيدنا عمر يمشي مرة والسيدة صفية تمشي، فقال: "لقد عرفتكِ يا صفية". كان لديه صوت جهوري، صوته عالٍ هكذا، نعم هكذا هو. وكان فيه شدة، وأبو بكر كان صوته ضعيفاً هكذا وكان فيه لين. وهذا صحابي وهذا صحابي، وهذا وزير رسول الله وهذا وزير رسول الله. وكان هناك أناس يستحيون وآخرون جريئون، وكان هناك
أناس يكثرون من النكات ويكونون مسرورين غاية السرور، ويجلسون يمازحونك هكذا مثل نعيمان رضي الله تعالى عنه، وأناس ينسون أنفسهم ويشربون الخمر من الصحابة، سيدنا هذا الذي يشرب الخمر هو فقط، ليس من جهة أنه يشرب الخمر وإنما من جهة أنه رأى سيدنا رسول الله بعينيه وجلس معه، ولما أسعده وسلم عليه وقبّل يديه ورجليه، كما في حديث عبد قيس أنهم دخلوا على رسول الله فقبّلوا يديه ورجليه، يحبونه في هذا وذاك وهذا وذاك وهذا. مائة وعشرون ألف صحابي نحن نعرف منهم. ما إن رأى تسعة ونصف من الرجال والنساء فقط، وبقية
الصحابة لا نعرفهم، لكن هؤلاء هم سادتنا الصحابة. فعندما دخل الرجل، سيدنا عمر عندما دخل، انظر كيف عرفك يا صفية. وهي كانت مغطية وجهها وملتفة هكذا، فلا تعرف كيف عرفها. هل عرفها من طولها، أم من هيئتها، أم من مشيتها؟ رأى هذه الملابس من قبل، المهم أنه عرفها وغضب. سيدنا عمر غضب لأنه كان غيوراً، وكان سيدنا عمر يغار على نساء النبي، فلا أحد ينظر إليهن ولا أحد يعرفهن. "عرفتك يا صفية"، يعني أنتن ترتدين شيئاً آخر. أهذا شرع؟ لا، ليس شرعاً، إنه شيء طبيعي.
الإنسان رجل غيور على سيدات البيت النبوي ويقولون هكذا مشهور عن عمر هكذا أنه ماسك قطعة جلد صغيرة اسمها الدرة، ويأتي يضرب الشخص هكذا على كتفه أو ما شابه ذلك إلى آخره، فالبنات تخاف منه. البنات لا تحب ما هذا العنف؟ هناك في الشدة ما لا تحبه، فعندما دخلنا إلى حجابهن قوم هم عيني، تظن أنهم كانوا عارين وغير لابسين أبداً، إنما هم دخلوا جيداً، لقد دخلوا حتى لا يراهم أحد، هل تفهم كيف؟ فضحك رسول الله، فقال له: "لماذا تضحك
يا سيدي يا رسول الله؟" قال له: "البنات اللاتي كن هنا هربن مسرعات عندما سمعنك." قال: "لا، أنا غاضب يعني يخافون مني ولا يخافون من رسول الله"، فردت عليه واحدة من الداخل هكذا. قال: "لا، النبي عليه الصلاة والسلام كان البيت الذي له، لكن الحجرة النبوية كانت ثلاثة متر ونصف في ثلاثة متر ونصف، يعني قريبة هكذا"، فعندما اختبأوا من سيدنا عمر قال. لماذا تفعلون هكذا يا أبناء، وتحرجونني مع النبي؟ أنتم تخافون مني ولا تخافون من النبي؟ يقول لك شخص مسكين: فنظر إليهن عمر. لا يوجد في الحديث أبداً "نظر إليهن". انتبه، ضع دائرة حول عبارة "نظر إليهن عمر" هذه، لأنها هي الكذبة هنا. ما معنى الخطأ؟ أي الكذبة هنا. فنظر إليهن عمر،
لا يوجد في الرواية "فنظر إليهن عمر"، لا يوجد هذا في الرواية. "فقُمنا إلى حجابهن" يعني في المكان الذي يختبئن فيه. "فنظر إليهن"، هذا يقال عندنا في البلد: "هذا من مخبآتك"، "من مخبآتك" تعني من عندك أنت، يعني أنت. التي وضعتها في نظره إليهن، عمر ما نظر إليهن عمر لأنهن لسن موجودات أمامه أصلاً، ويكلمنه من وراء حجاب، فاسألوهن من وراء حجاب، يعني كانوا يتكلمون مع بعضهم لأن المسافات قليلة ويسمعون بعضهم، فقالت واحدة: لماذا يا عمر؟ نعم نحن نخافك أنت، لكن لا نخاف من رسول الله لأن رسول الله ماذا يعني؟ يعني
الرحمة المهداة، يعني معنى الكلام هكذا. فعندما آتي وأزيد شيئاً في الرواية، فنظر إليهن عمر واستنبط منها أمراً يهدم إجماع الأمة ويهدم ما ذهب إليه ابن قسيم الإنس والجن. أيترك لك كل هذا ويمسك لك بماذا؟ بالإنس والجن، يقول لك. انظر، انظر، انظر، لقد أصبح للجن فقهاء، هل الجن موجود؟ أم لا يوجد جن؟ إن هذا الجن أصله هم كانوا المهاجرين من الصحابة وأمور من هذا القبيل. إنها أمور متعبة أن نترك الدين بجلاله وبهائه وروعته ونجلس نعمل بهذا الشكل. ليس
هناك من يضع قوسين كما يفعل الأمريكان. يعمل لك هكذا الجن والإنس من ذهب هذا المذهب ولا فسر هذا التفسير، لماذا؟ لأنه فنظر إليهن عمر غلط غير موجود، فأنا أحرف الرواية ثم أبني على ما حرفت أحكاماً وأنا لست مجتهداً، ثم إن ظننت نفسي مجتهداً فقد خالفت الإجماع، ثم إنني بعد مخالفة الإجماع أريد تقسيم الأمة. فهذا ما يقوله العلماء الكبار، يقولون: إن هذا الكلام يستوجب المحاسبة، نعم يستوجب المحاسبة. أين الآراء إذاً؟
أنت قلت أنك ستعرض آراءً وكل شخص يأخذ ما يريده، والآن لا توجد آراء إطلاقاً، هذا رأيك أنت فقط تُحدِث به فتنة في الأمة وتخالف به السابق واللاحق، ثم ما المصلحة؟ لا مصلحة أي مصلحة! أن تخلع المرأة الحجاب ليس فيه مصلحة. حسناً، ما المصلحة في أن ترتدي المرأة الحجاب؟ أليس فيه مصلحة؟ بلى، فيه طاعة. هي ترتدي الحجاب لمصلحة. هل خلع الحجاب مصلحة؟ التي ترتدي الحجاب تكون في الطاعة، والتي ستخلع حجابها تكون في المعصية. لا. هذه فيها مصلحة تحصيل اللذات ووسائلها، لا ليس فيها دفع الآلام ووسائلها، لا
ليس فيها ذلك، ماذا فيها؟ فيها طاعة. سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. لا تجلس لتفسر الأشياء. تتوضأ لأنك لا تعرف أين تنزل المياه؟ لا، إنما لأنها طاعة. ربنا قال توضأ فلابد أن تتوضأ. ربنا قال صلِّ. لابد أن تصلي يعني نعطل عقلنا؟ لا، دع عقلك كما هو. الله سبحانه وتعالى يكملك بعقلك. إنما العقل للفهم، للحفظ، للاسترجاع، للتفكير، لربط المعلومات، لدراسة الواقع، لكيفية إيقاع وتطبيق مراد الله في هذا الواقع، لتحصيل المنافع، ولدفع الأمور إلى الأمام. هذا هو العقل. العقل ليس مصنوعاً ليعاكس الله. أبداً،
العقل مصنوع لكي يفهم عن الله وليفهم كيف يطبق وليعرف كيف يرضي الله. الحقيقة أن الله عظيم جداً "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". فيكون إذاً ملخص الكلام أن الدليل في القرآن هو الآية رقم واحد وثلاثين في سورة النور "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" والآية كذا. وخمسين في الأحزاب "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين" أي للجميع هنا "يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين". هذا هو الدليل من الكتاب بالنص. من
قال أن هذا الكلام معناه الحجاب؟ بعض الجن والإنس قالوا أن هذا معناه الحجاب، فهل هناك ما... يؤيده في السنة نعم هناك ما يؤيده في السنة ونجيب كل الأحاديث التي وردت في السنة في حجاب النساء المؤمنات هذا هو. طيب هل هناك ما يؤيده في إجماع الأمة؟ نعم كل الأمة مجمعة على هذا الحكم. طيب لماذا لا تكتبي شيئاً ينفع العصر بدلاً من الاجتهادات التي تقسم. هذه الأمة التي تهدم الدين والتي تجعل هناك علاقة مضطربة بين الناس وربها، فهل نحن نحبب الناس في الدين أم نكره الناس
في الدين؟ فإذا كان هذا الحال قد مر على المسلمين، فماذا فعلوا عند مروره عليهم؟ تركوا الناس تفكر، لكنهم استنكروا، استنكروا عليه، استنكروا على ابن الراوندي. الذي كان يفكر أن يضع نصاً مثل القرآن ابن الراوندي يفكر هكذا، هو مسلم ومولود مسلم وكل شيء في أمان الله، فيريد أن يقدم نصاً مثل القرآن، لكن لم يقبضوا عليه ولم يقتلوه بل
تركوه، فلم يفعل شيئاً، فجاء المعتزلة وقالوا: يا جماعة هذا شخص كان يريد أن يصنع شيئاً مثل. القرآن لم يفعل هو ما القصة؟ فقالوا هذا لأنه معجزة القرآن في الصرفة. معجزة القرآن في الصرفة، ما هي هذه الصرفة؟ يعني أنه يصرف من أراد تقليده، حتى يصرف من أراد تقليده. هو لا يعرف أن يفعل شيئاً. في فتى من المجرمين، أكابر مجرميها، عمل سبعين سورة هكذا في أمريكا، فتى لبناني. في أمريكا قالوا إنه يقلد القرآن، لكنه لم يستطع أن يُكمل. القرآن مائة وأربعة عشر سورة، فقال: "سأنزل المائة وأربعة عشر"، فعمل منهم سبعين ولم يستطع أن يُكمل. قال: "تبًا، تبًا".
مسيلمة الكذاب فعل هكذا أيضًا، قالوا له: "أمعك شيء مثل محمد؟" قال: "نعم، إنا أعطيناك التفاح فصل". لربك وارتح أن شانئك هو العجل النطاح. هل هذا كلام؟ لقد أعطيتك التفاح. هل تظن أن الكوثر هذه فاكهة؟ أم ماذا تفكر؟ هذا شخص يقول لمحمد: "يا محمد، إنك أبتر، لم تنجب أولاداً، فلن يكون لك ذرية". فيقول له: "يا محمد، إننا أعطيناك أهل البيت الكثير (الكوثر)". فأصبحوا خمسة وعشرين مليوناً الآن، كل واحد منا لا يعرف نسبه، هم يعرفون ومُسجَّلون خمسة وعشرين مليوناً في العالم من أبناء سيدنا النبي. "إنا أعطيناك الكوثر"،
وبعد ذلك في المقابل من الناحية الأخرى "إن شانئك هو الأبتر". تتصوره حتى الآن ونحن لا نعرف من هو، "إن شانئك هو الأبتر"، من هذا؟ يمدح المغيرة الوليد بن المغيرة، يمدح هو أمية بن خلف، يمدح يكون أبو جهل، يمدح يكون... لست أعرف، لا نعرف. تذهب إلى التفسير فتجد تسعة أقوال. حسناً، من بالضبط يعني؟ والله لا أعرف من هو هذا الأبتر. فانظر إلى الآية الأولى، إنها نبوءة وقد تحققت هذه النبوءة تأييداً لحضرة النبي وإقراراً لعينه الشريفة. وقلبه المنيف، عندما أعطيناك هذا التفاح، ماذا تكون؟ فساد، حسناً،
صلِّ لربك العبادة القاصرة، وانحر العبادة المتعدية، بعدما تنتهي من صلاتك انحر حتى تنفع الناس، وهناك صلِّ لربك واسترح، ها فساد: "إن شانئك هو الأبتر"، وفعلاً حدث وتحققت النبوءة، وهنا "إن شانئك هو العجل النطاح"، ولذلك انطُحت مسلمة وضعفت. هذا أعطي الذين حاولوا أن يعملوا مثلاً شيئاً كهذا، وابن الرواندي ذهب أين؟ لا شيء ولا أحد، ولا تسمع عن أحد اسمه ابن الرواندي، والله لا تسمع للمرة الأولى أحداً يعرف أن هناك شخصاً اسمه ابن
الرواندي أصلاً. فالذي يريد يعني الخروج عن الموروث المتين الرصين مؤداه هكذا. بهذا الشكل ما الفائدة من أن يفعل هكذا؟ إنه غاضب ونفسه غاضبة في داخله. ابن الرواندي هذا كان غاضباً، وظل في كل عصر، كل مئة سنة، يظهر لنا واحد أو يظهر لنا اثنان، أي تحدث أشياء مثل هذا. أناس تخالف وتعارض من غير قواعد ولا أصول ولا علم، وتتكلم كلاماً عجيباً غريباً. وهكذا مرةً قام شخصٌ في الأزهر في الأربعينات بإعداد رسالة وسمّاها "ظلم عمر".
عمر معروفٌ بالعدل حتى أنه ضُرِبت به الأمثال، فيقال: "هو أعدل من عمر". ماذا يعني هذا؟ إنّ عمر هو القمة في العدل، ابن الخطاب. ثم انظر، انظر إلى العقلية! "ظلم عمر"، وكان اسم الرسالة "ظلم عمر الفاروق"... ظلم! عمر الفاروق الذي فرق الله بين الحق والباطل على دينه غداً ستُناقش، فذهبوا مسرعين إلى شيخ الأزهر وقالوا له: "الحق، هذه رسالة مصيبة ظلمت عمر". قال: "حسناً، وكيف تم تداولها وكيف أُعدت؟" وما إلى آخره. يوجد هنا ماذا؟ مؤاخذة! ما اسمها؟
"الظلم الفاروق عمر"، "الظلم الفاروق" هذه. عملية سياسية، فهذا الملك فاروق وظلم الفاروق، يعني أن هناك شخصاً يُلفق الكلام على أحد. أحضر الباحث وغيره إلى آخره وقال له: أليس من العيب أن تشتم سيدنا عمر لأنك لا يعجبك الملك؟ لماذا تذهب وتشتم الصحابة؟ هذا الانحراف هو انحراف شخص منحرف، وليس شخصاً معتمداً، إنه شخص منحرف وقد أبطل الرسالة. فاختار موضوعاً آخر ليعمل فيه. أتعلمون ماذا اختار؟
عدالة الحجاج! تركَ ظلم عمر ودخل في عدالة الحجاج. حسناً، ماذا نفعل؟ عدالة الحجاج! فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يهديه. يعني: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون. ليست القضية هكذا، القضية أن هذا دين، والدين لا بد أن نسعى له. فيه إلى إسعاد الناس لا تقسيم الناس، ولا بد أن نبين فيه الحقيقة لا أن نتكلم فيه بغير علم، ولا بد عندما نجتهد أن نجتهد اجتهاداً يتوافق مع عمارة الدنيا، ويتوافق مع الإجماع الذي هو سطح
لا نستطيع أن نتعداه، ويتوافق مع الأدلة الشرعية المرعية، ويتوافق ليس مع هوى نفسه وليس طلباً لدنيا، وإنما هو من أجل الله سبحانه وتعالى هكذا تستقيم الأمور ونجدد الخطاب الديني. لا نجدد الخطاب الديني بهدم الدين، ولا نجدد الخطاب الديني بإلغاء الأحكام الشرعية، ولا بتغيير معالم الأدب مع الله سبحانه وتعالى. كل هذا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بفضله ومنّه وكرمه، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، اللهم. يا ربنا قنا شر أنفسنا وقنا السوء بما شئت وإن شئت وكيف شئت، اللهم
وحد كلمتنا واهد قلوبنا وهدئ بالنا وأصلح حالنا ووفق بين المسلمين وأنزل عليهم السكينة يا أرحم الراحمين، واستجب دعاءنا فاشف مرضانا وارحم موتانا ولا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وصل. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.