سورة الفاتحة | حـ 11 | آية 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة الفاتحة | حـ 11 | آية 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة الفاتحة
مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه الدقائق، ولقد ذكرنا قوله تعالى وهو يفتتح الكلام ويرسل الرسالة ويكلم البشر: "بسم الله الرحمن الرحيم". والباء لا بد أن تتعلق أي ترتبط بفعل،
فكأنك تقول: اقرأ أو أبتدئ تلاوتي بسم الله. فما معنى الباء؟ قالوا معناها المصاحبة، أي ماذا تعني؟ احذفها وضع مكانها كلمة "المصاحبة" أو ما يشتق منها، فنقول اقرأ أو ابدأ مصاحبًا اسم الله. هذا معنى كلمة "أن" الحرفية، فهي تعني أنك تأتي بالمعنى وتضعه مكان الحرف، فتجد أن الكلام استقام وأصبح له معنى. فمعنى قولك "بسم الله الرحمن الرحيم" يعني أنني أقرأ وأبدأ تلاوتي أو قراءتي. أو كُلي أو اشربي
أو البسي أو اعقدي أو أي شيء حسب ما وضعتِ فيه "بسم الله الرحمن الرحيم"، مصاحباً اسم الله له. لماذا تصاحبين اسم الله؟ لماذا؟ قال قوم: تبرُّكاً. فأنتِ عندما تكونين مع الله تحصلُ لكِ البركة. فأنتِ إما أن تكوني مع الله وإما... ما رأيك لو خُيِّرت أن تكون مع الله أو تكون مع غيره؟ مع الله، لأن الله هو الرازق وهو الخالق وهو المحيي وهو المميت سبحانه وتعالى. لكن هذه المصاحبة فيها بركة على كل حال، ولذلك نتبرك بها في ابتداء الكلام، فلا نبدأ إلا بـ "بسم الله"، أي أن الله مصاحبنا.
باسم الله من أجل أن نتبرك باسم الله سبحانه وتعالى فتحل علينا البركة. والبركة هذه ما هي؟ قالوا البركة هي النماء، يعني التراب يصبح في يدك ذهباً، يعني القليل من الطعام يشبعك. يعني عندما تتزوج وتقول بسم الله، يقوم الله بالمباركة في زوجتك، فتكون إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أقسمت غبتُ عنها، حفظتك. ما معنى أن تقول المرأة "بسم الله" وهي تلد؟ يعني أن الولد لن يكون عاقاً لها ولا لأبيه، وإنما يكون فيه بركة. ما معنى البركة؟ يعني أن يكون باراً بأبويه، ويسير على نهج الله وطريق الله، ولا يكون شيطاناً مفسداً في الأرض متعباً
لوالديه، وهكذا تكون البركة. شيءٌ مهمٌ قد نفتقده في كثيرٍ من المجالات بسبب العصيان الذي يحدث في هذه المجالات. يقول الناس: "البركة لا تحصل"، ويقولون لك: "لقد حصلت البركة". ما معنى البركة؟ تعني أنه بوجودك تم الصلح، أو بوجودك حدث النماء، أو بوجودك وُفِّق العمل، أو بوجودك صَلُحَ الحال، وهكذا. هذا معنى حصول البركة. أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع أجزم أبتر. لماذا؟ لأنه لا توجد فيه بركة. فإذا فككنا حرف الباء ورفعناه لأنه من حروف المعاني، وأخذنا معناه نجده للمصاحبة. وما فائدة المصاحبة؟ التبرك. فتكون العبارة
كلها ماذا؟ لأنه حرف جر يوجد فيه فعل قدّرناه أقرأ مثلاً هنا. أو أبتدئ ولأنه له معنى يكون المصاحبة، ولأنه يجب المصاحبة في هذه الحالة مع اسم الله هي البركة، يكون هذا شيء مبارك. فيكون معنى الكلام: أبدأ عملي هذا مصاحبًا اسم الله من أجل البركة. هذا هو معنى الكلام، وكل هذا الكلام موجود أمامنا. قال: نعم موجود أمامنا، فلماذا إذًا. ما نحن مستحضرينه في أذهاننا لأننا لسنا مستحضرين العربية، فهذا كلام عربي، والعربي عندما كان يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" يعني: أبدأ عملي هذا مصاحباً اسم الله الرحمن الرحيم للبركة حتى تحدث البركة، واختار ثلاثة ألفاظ كما
قلنا: الله والرحمن والرحيم، وذكرنا قبل ذلك الله. إنه عجيب غريب يدل بكُلِّه عليه سبحانه. تحذف الألف تبقى لله، تحذف اللام تبقى له، تحذف اللام الثانية تبقى هو. لا إله إلا هو. والرحمن الرحيم كررها من أجل أن تعلم أنها الله. قد واجهك بصفات الجمال لأنه لو قال الرحمن فقط تقول: "ما هو، يمكن أن يكون منتقماً"، فقال لا الرحمن والرحيم لأنه في الثانية يمكن أن يقول المنتقم، لا يحدث شيء. لا، لم يقل ذلك، فيقول عدها مرتين لماذا؟ قلنا له: ليس نحن الذين عددنا، هذا ربنا قال الرحمن، الأصل أنه لا
أحد من البشر يعرف أن يفعل هكذا، لا أحد. بسم الله الرحمن الرحيم هذه من عند سكتش قال إنَّ الرحيم الشخص لا يسكت هكذا وهو يتحدث مع الرحمن، لا وكذلك الرحيم الله. لماذا لم تأتِ بصفة من صفات الجلال؟ لأنه يواجه الخلق برسالة هي الرحمة في الرحمة. حسناً، كلمة "اسم" ما معناها؟ كلمة "اسم" مشتقة من أحد أصلين في اللغة العربية. إما أن تكون ترجع إلى جذر واحد إلى أصل واحد وإما أن ترجع إلى أصلين، وسنرى في القرآن معاً هكذا أشياء كثيرة مثل هذا، وعمق المعنى يختلف. فاسم هذه راجعة لأصل واحد أم أصلين؟ قال: لا، اختلفوا فيها، قالوا راجعة لأصلين، قد تكون لهذا
وقد تكون لذاك، وهذا حيناً. القرآن إنني عندما أجلب هذه الجذور، ففي القرآن ألف وثمانمائة وعشرة جذور. مجمع اللغة العربية أعدّ معجماً للقرآن الكريم ذكر فيه - نحن قلنا كم؟ ألف وثمانمائة وعشرة - هو أورد ألف وسبعمائة وتسعين. لماذا؟ لأنه أهمل الأعلام، يعني مثل سيدنا إبراهيم وإسماعيل ويونس، لم يوردهم. عندما تكمل... الأعلام مع الألف وسبع مائة وتسعين يصبح عددهم كم؟ مائة وعشرة آلاف وثمان مائة وعشرة. المجمع المعجمي الخاص به موجود ومُعَدّ منذ زمن، أول إصدار له كان سنة اثنين وخمسين إلى أربعة وخمسين تقريباً، لكنه يقول ماذا؟ إن هناك ألف وسبع مائة وتسعين
جذراً. قم بقراءة الجذور تجد أن الجذر يكون له معنى أو اثنان أو ثلاثة، ومن الممكن أن تكون الكلمة آتية من هذا الجذر أو آتية من جذر آخر، فهي ليست من هذا الجذر بالتحديد. أما اسم، فمن أين أتى؟ قال: "والله من الممكن أن يأتي من السمو". والسمو يعني العلو. لماذا بالتحديد؟ قال: "لأن اسم الإنسان أشرف تعال يا فلان، اذهب يا فلان، تعال يا فلان وهو يكتب اسمه. هذا اسمك، هذا هو، لدرجة أننا عندما نريد أن نمزح هكذا ونضحك، نقول: "الله! لقد نسي اسمه". إنها أمر غريب وعجيب، يعني مدهش! كيف ينسى المرء اسمه؟ هذا اسمه بالذات! يقول لك: "الله! أنت حفظتها، حفظتها". كما أحفظ اسمي، فهي محفوظة كاسمي، أي إنها شديدة الحفظ، كما نقول هكذا: "إنه يحفظ القرآن
كالفاتحة" من شدة حفظه. واسمه مشتق من السمو والعلو، لأنه أعلى شيء في الإنسان. وعندما أقوم بشتم شخص - والعياذ بالله تعالى - فأذكر اسمه وأشتمه، فماذا يكون ذلك؟ إنها إهانة له بهذا الشكل. أننا، ولذلك تجد الناس المغاربة في مراكش لا ينادون أبداً الولد الذي سموه محمد بقولهم "يا محمد"، بل يقولون "سيدي محمد". حتى لو كان ابنه ويريد ضربه، يقول له: "أهكذا تفعل يا سيدي محمد" ويضربه. لماذا؟ لأن سيدنا محمد أصبح محمد يا إخواننا! إذاً من يكون سيدنا نحن؟ ما هو سيدنا ليس لنا الذي هو صلى الله عليه وسلم، قالوا: طيب، ومن أين قد تكون جاءت أيضاً؟ قالوا: والله ممكن تكون جاءت من السماء.
من السماء؟ يعني ماذا من السماء؟ العلامة. السماء هي العلامة، فيكون إذاً قد تكون جاءت من السمو، وقد تكون جاءت من السماء، لأن الاسم الإنسان هي العلامة الخاصة بك، اسمك تماماً مثل صورتك. فاسمك يشبه صورتك، عندما أذكر اسمك في المحافل يُعرف عند مَن يعرفك، وهكذا. إذاً، الاسم قد يكون مشتقاً من السمو، وقد يكون مشتقاً من السماء. اسم الله دالّ على الله، وكلمة "الله" هي اسم الله، هو الذات الواجب الوجود. المستحق لجميع المحامد سبحانه وتعالى رب مخالف لهذه الأكوان، فالرب رب والعبد
عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. أما لفظ "الله" الذي يخرج من أفواهنا فهو دال على الله سبحانه وتعالى، ولذلك نكتبه وننطقه وما إلى ذلك. سأبدأ بذكر آية، بذكر اسم الله: بسم الله الرحمن الرحيم والذي... لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.