سورة الفاتحة | حـ 13 | آية 2 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

في القرآن الكريم نعيش هذه الدقائق مع الفاتحة المباركة ونتحدث فيها عن قوله تعالى {الحمد لله رب العالمين}. الحمد قلنا إن الألف واللام تأتي في لغة العرب إما للاستغراق يعني كل الحمد لله، وإما للجنس يعني جنس الحمد ومادة الحمد هي لله، وإما للعهد يعني المعهود بيني وبينك الذي في انتبه إلى الحمد، هو الذي أهتم به وأهتم بك. ربنا يستحق ماذا؟ يستحق منا كل حمد. كيف يعني؟ قال انتبه، هذا الحمد عبادة. فعندما تقول الحمد لله، تكون قد
قمت بعبادة أم لا؟ حسناً، هل فعلت خيراً أم فعلت شراً؟ فعلت خيراً. إذن هل تكون موفقاً أم غير موفق؟ بذلك موفق! من الذي وفقك؟ الله، وعندما يوفقك ربنا ينبغي عليك أن تفعل ماذا؟ الحمد لله. قلت له: حسناً، أنت بمجرد ما قلت الحمد لله كان ينبغي عليك أن تقول: الحمد لله الذي وفقني أن أقول الحمد لله. فلو فعلت هذا لما تجلس وتقول ماذا؟ الحمد، أحمدك يا رب، وبعد قليل... تقول أنا أحمدك أنك وفقتني لأن أكون من الشاكرين. في هذه اللحظة هل هذه عبادة أم ليست عبادة؟ هل العبادة تستوجب الحمد أم لا تستوجبه؟ قال: تستوجب. قالوا: حسناً، وبعد ذلك هل سأجلس طوال النهار
أقول الحمد لله الحمد لله الحمد لله الحمد لله الحمد لله؟ المقصود كل مرة تحمد على توفيقه للذي قبلها قال: هو هي أصلها هكذا، قال له: حسناً، وبعد ذلك؟ قال هو: لا شيء، تعلم يا أستاذ أنك أنت عاجز أمام الله، قم بالصلاة على رسول الله، لقد خرجنا من هذه الورطة، أين؟ الورطة ليست أنني أحمد ربنا، الورطة هي أنني عاجز عن الحمد. ربنا، هذه الورطة، قم ويقول ماذا سيدنا رسول الله - وهو معلم البشرية -: "لا أحصي ثناءً عليك". أنا لن أجلس لأقول حمداً لك، لأنك أنت... كيف أقولها؟ "لا أحصي ثناءً عليك". انظر إلى إظهار العجز، أنا عاجز، خلاص استسلمت. وقت "لا أحصي ثناءً
عليك، أنت كما أثنيت سبحانك، هذا إظهار للعجز وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله. انظر كيف أن الله كريم حيث وهبنا كل ما نحن فيه من نعم، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، ثم قبل منا هذا القدر الضئيل من الحمد. وانظر كيف أن سيدنا رسول الله جميل وهو يخرجك من ورطة العجز. بأن تقول: "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". هذا هو معنى العهد، الحمد الذي هو للعهد. ماذا يعني ما أقصده وما تقصده؟ ذلك هو الحمد الخاص برسول الله عليه الصلاة والسلام. يعني: يا رب، الحمد لك كما حمدك نبيك، الحمد لك كما حمدك نبيك، حقاً ونبيك. كيف أثنى عليه
هكذا؟ "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، حتى يخرج من ورطة العجز. هذا الحمد لله الذي في لغة العرب هذه من حروف المعاني، أليس كذلك؟ نعم، من حروف المعاني التي قلنا عنها تسعين حرفاً في لغة العرب، بعضها على حرف واحد. واحدٌ بعضُ مثل الباء واللام والتاء، وكذلك بعضها على حرفين، وبعضها على ثلاثة، وعلى أربعة، وعلى خمسة، ولا تزيد عن خمسة. ماذا تعني إذن؟ ما دام أنها حرف معنى، فلابد أن يكون لها معنى. قال: والله، اللام هذه تأتي في لغة العرب للملكية، تقول: لي كتاب، لي كتاب. ماذا تعني أنا أملك كتاباً وتكون
للاختصاص، أنا عاقل فعندما قلت لي هذا الكتاب لي، تكون العلاقة بين العاقل وبين غير العاقل هي الملكية. أنا ممتلك للكتاب، حسناً، هل هذا الكرسي يمتلك رجله (رجل الكرسي)؟ قالوا: لا، ليس ممتلكاً لأن الكرسي لا يمتلك، هذا الكرسي شيء يُملك ولكن لا يملك، قالوا. إذن نجعلها هنا، عندما تكون رجل للكرسي، تكون اللام هنا للاختصاص، أي رجل مختصة بالكرسي. باب للحجرة، تكون اللام هنا للاختصاص. كتاب للرجل، لا، تكون للملك. فالفرق بين الاختصاص والملك أن الاثنين هناك أشياء، لكن هنا إنسان وشيء. قال: طيب وماذا
أيضاً عن اللام؟ قال: أدنى ملابسة، أدنى ملابسة. ما بين الشيئين فقد تكون أدنى ملابسة، وهذه أشياء كثيرة جداً. صلاة الليل، عندما تقول هكذا، فهذه الصلاة للّيل. حسناً، الصلاة هذه فعل، والليل هذا زمن. قال: إنها التي لأدنى ملابسة "صلاة الليل". قُل لأدنى ملابسة، واللام هي التي تحل محل الإضافة، يعني كأنك قلت صلاة الليل. قلتُ صلاةُ الليلِ ويمكن أن تقول في الليل لتكون للظرفية. الحمدُ لله يعني مملوكٌ لله.
هل يصحُّ أن الحمد - نعم - فهو مالكُ الملوكِ، إنه يملكنا ويملك أفعالنا ويملك حمدنا، بل هو الموفقُ له وهو الخالقُ له وهو المُكلِّفُ به. إنه هو الذي كلَّفَ النبي، فالحمد ملكٌ لله. هل هذا الكلام صحيح أم لا يصح؟ هل من إجابة؟ الحمد لله، يعني الحمد مِلك لله سبحانه وتعالى، أم أن الحمد هنا متوجه إلى الله سبحانه وتعالى؟ هل يصح أن يكون هذا الحمد متوجهاً إلى الله أو أنه مقصور على الله؟ الحمد لا يكون إلا لله،
هذا معنى الكلام. قال: "والله مَنْ هذه؟ الحمد لله يعني فيها إظهار للعجز، لكن عندما تقول "الحمد لله" بمعنى أنه مقصور لله وحده، لا يكون لغيره الحمد الحقيقي الكامل الذي هو كل الحمد، يكون لذلك فتبقى صحيحة أيضاً وتستقيم مع أن الألف واللام هنا للاستغراق. وبعد ذلك قال "رب العالمين"، أي كلمة "رب" هذه نريد والعالمين أيضاً نريد أن نقف عندها، وإلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله