سورة الفاتحة | حـ 16 | آية 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

سورة الفاتحة | حـ 16 | آية 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله نعيش هذه الدقائق مع فاتحة الكتاب المبين: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم. وعرفنا أن تكرار "الرحمن الرحيم" تهدئة لقلب المؤمن الذي قد دخل من التشريف في... بداية الصورة إلى التكليف في الحمد فيعيده مرة أخرى إلى سياق الهدوء بالرحمن الرحيم، ويذكر الله سبحانه وتعالى عباده بأن أساساً من أسس الإيمان هو الإجابة على سؤال من الأسئلة الثلاثة التي
شغلت بال البشر، فما الذي شغل بال البشر؟ الماضي والحاضر والمستقبل. الماضي يسأل الإنسان نفسه وهو يتدبر في... كونه وفي حياته من أين أنا ومن أين جئنا فيجيب الله سبحانه وتعالى بأنك خلق من خلقه هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه فيأتي السؤال الثاني فماذا نفعل هنا يعني لماذا خلقنا ربنا فأنزل الله الوحي وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل الإجابة على هذا لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون إني جاعل في الأرض خليفة هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فبين لنا أننا هنا من أجل العبادة ومن أجل الطاعة ومن أجل ومن أجل وهكذا عمارة الأرض وتزكية النفس وهو ما يسمى بالتكليف وهو الذي يفرق المؤمن عن غير المؤمن. يؤمن بالتكليف أننا ملتزمون في هذه الحياة الدنيا بطاعة ربنا. السؤال الثالث: ماذا سيكون غداً؟ وجدنا أنفسنا نُخلق أطفالاً ثم شباباً ثم كهولاً ثم شيوخاً ويصيبنا الهرم، ثم بعد ذلك ندخل
في غيبوبة الموت ثم نموت، ومنا من يُعجَّل به ومنا. من يبقى في هذه الحياة الدنيا لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإذ بنا أمام حقيقة الموت حيرة، ماذا بعد الموت وماذا بعد هذه الحياة الدنيا، ويجيب الوحي من عند الله بأن هناك يوم قيامة وبأن هناك يوم دينونة وحساب، وبأن الله سبحانه وتعالى يجمعنا ويقيم الموازين القسط، وأن هناك عقاباً.
وأن هناك ثواباً يوم القيامة ركن من أركان الإيمان، باليوم الآخر. إذاً هناك ثلاثة أسئلة: من أين أنا؟ ماذا أصنع الآن؟ ماذا سيكون غداً؟ يعني سؤال عن الماضي، وسؤال عن الحاضر، وسؤال عن المستقبل. هذه الأسئلة الثلاثة حيرت البشرية، وكلما أراد الإنسان أن يصل إلى جواب عليها فإنه يضل. الطريق وتتشتت الأفكار وتختلف المذاهب وتتطور نتاج العقول في ذلك الأمر، والله سبحانه وتعالى أجاب عنها ابتداءً وكأنه يقول لك: ابدأ حياتك بالإيمان بهذه الثلاثة، فلا بد عليك أن تؤمن بمن خلق الله للبشر،
ولا بد عليك أن تؤمن بالتكليف وأن تقوم به، ولا بد عليك أن تؤمن باليوم الآخر. وما يقع فيه من مشاهد ابدأ حياتك، ابدأ سعيك في الأرض وعمارتك واكتشافاتك واختراعاتك وتيسير حياتك من الإيمان من هذه الثلاث. ولذلك كانت هذه الثلاثة عند المسلمين وعند حكماء المسلمين تسمى بالأسئلة الكلية، الأسئلة الكلية، وعند غيرهم تسمى بالأسئلة النهائية. حسناً وما الفرق بين الكلية وبين النهائية؟ قال أنا ما... لا أعلم سأظل أبحث في الجيولوجيا حتى أعرف كيف تكونت هذه الأرض، لكنني الآن لا أعرف. قلت له: لا، سأبحث في الجيولوجيا فقط وأنا أعلم أنها من
خلق الله. سأبدأ بالإيمان ولا يصدني هذا الإيمان عن العلم، وسأبدأ بالبحث في الجيولوجيا لكي نستخرج البترول ونستخرج... المعادن. ولكي نعرف أسباب الزلازل ولكي نتعامل مع الحياة، فإذا استطعنا أن نتقي الزلزال وغير ذلك إلى آخره، لكنك ستظل حائراً إلى أن تنتهي. قال لي: نعم، سأظل حائراً إلى أن أنتهي، في الطب وفي الفلك وفي التاريخ وفي الجيولوجيا وفي كل شيء، وإلى أن ننتهي نكون. نجيب على هذه الأسئلة الثلاثة: من أين أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ وماذا سيكون غدًا؟ قلتُ له: يعني أنت ستظل حائرًا هكذا، لأن هذه أسئلة فطرية في الإنسان. قال: أنا سأظل حائرًا، فهي أسئلة نهائية، يعني ينتهي البحث بالإجابة
عليها. هل أجبنا عليها؟ أجبنا ستين إجابة مختلفة، فالله سبحانه وتعالى بقدرته. يريدك أن تسعى في الكون وأن تكتشفه وأن تخترع ما تخترع وأن تكتشف ما تكتشف وأن تتعلم وأن يزداد هذا وأنت موقن بأن الله هو الذي خلق وأن الله هو الذي كلف وأن الله هو الذي سنعود إليه في يوم لا ريب فيه مالك يوم الدين فمالك يوم الدين يوم الدين هذا هو المستقبل، ولذلك هذه الحياة لا تعجل بالصراع ولا تعجل بأن يقتتل بعضنا مع بعض على حياة فانية. ولذلك الأصل بين الإنسان وبين الكون
هو الاتساق والتكامل وليس الصدام والحرب. ونقول لهؤلاء الذين يقولون إن العلاقة بين الحضارات هي الصدام حتى تحرك الحياة: أبداً، إنما التكامل بين الحضارات. واستفادة كل حضارة من الأخرى هي الأصل، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الإنسان والكون وبين الرجل والمرأة التكامل والوفاق وليس الخصام والنزاع والصدام كما يدعون، وكل ذلك يشعر به المسلم وهو يرى أن اليوم الآخر هو الحياة الباقية وأن هذه الحياة الدنيا مهما حدث فيها فإنها ليست هي المنتهى ومن ذلك لا يكون حريصاً على أن يأخذ حق الغير وأن يتسلط القوي
على الضعيف وأن يصارع فيظلم، هذا هو أصل الإسلام. إذاً "مالك يوم الدين"، مالك وفي قراءة "ملك". القراءات جاءت توسعة للإسلام وللقرآن ولمصدر أساسي من مصادر التشريع والفهم للحياة والهداية للمتقين. فمرة "مالك" ومرة "ملك". المالك يعني مثل... ما يكون المُلْك شيئاً خاصاً به يفوق على المالك لأن المالك مع ما يملك له حرية التصرف بالبيع والشراء والهبة وأي شيء، والاستعمال والاستخدام ملكه وله
خصوصية، يعني لا يستطيع أحد أن يتعدى عليه ولو كان ملكاً. والمُلْك له عمومية يعني يرعى كل الناس وله. رتبة عالية فهو يفوق كل الناس، إذاً ما هو الله؟ الله مالك وملِك، فهو ملِكٌ يتصرف في ملكه كيف يشاء، ويتصرف فيه كيف يشاء على المستوى العام وعلى المستوى الخاص. إذاً هو مالك وملِك ليوم الدين، يفعل فيه ما يشاء، يعفو عمن يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء سبحانه. وتعالى، والظلم هو التصرف في ملك الغير، فالله لا يوصف بظلم أبداً لأنه هو المالك
الحقيقي وهو الملك الحقيقي. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأخنع الأسماء عند الله شاهنشاه" يعني ملك الملوك، فإن ملك الملوك هو الله، ملك يوم الدين، مالك يوم الدين. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته