سورة الفاتحة | حـ 8 | تابع المقدمة | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه الدقائق المعدودة مع الفاتحة الشافية الكافية التي هي في الصدارة من كتاب الله، وهي أول ما نجده عندما نفتح المصحف الشريف، وهي التي تعد ركناً من أركان الصلاة فلا
بد عليك أن تقرأ الفاتحة عند الإمام الشافعي هي ركن من أركان الصلاة، وعند غيره لا بد عليك أن تقرأ الفاتحة وإلا بطلت صلاتك. ولذلك تجد جميع المسلمين يحفظون الفاتحة. ولأن الفاتحة هي كأنها مدخل القرآن، وجدنا أيضاً أنها مدخل الدعاء، ومدخل الدعاء نجده في حديث الرقية، الصحابة مرّ على قبيلة وهم يسيرون في الطريق في رحلة، فوجدوا زعيم القبيلة قد لدغته عقرب، والعقرب فيها سم، فعملوا له
اللازم وقرأوا عليه الفاتحة، فبرئ وخف، وذهب السم الذي كان سيودي به إلى الهلاك، ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطاهم شاة، فقال الصحابي: لا، لن نأكل من لعله يكون ما فعلناه خطأً، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما أدراكم أنها رقية؟" من الذي أعلمكم هذا السر أن الفاتحة ندعو بها؟ فاستنبط العلماء واستخلص المسلمون من ذلك أن الفاتحة كما هي مدخل لكتاب الله وكما هي مدخل للصلاة، لأن صلاتنا هذه كلها... دعاء وذكر أول شيء نقوم به، ما هو؟ الفاتحة قبل
السجود وقبل الركوع وقبل التحيات وقبل السلام وقبل كل شيء. فالفاتحة مدخل القرآن ومدخل الصلاة ومدخل الدعاء، والرقية في حقيقتها دعاء، ولذلك قالوا العبرة فيها بالقارئ لا بالمقروء. المقروء عظيم، وهو كتاب الله، ولكن في الدعاء، يستجاب أو لا يكون لدينا مريض ونقرأ عليه الفاتحة، هي دعاء تدعو له بالشفاء. فعندما يكون يقينك قوياً، وعندما تقولها مخلصاً من قلبك، وعندما تقولها وأنت ملتجئ إلى الله، تجد الأثر قد ظهر والطبيب يقول لك: "الله! ماذا فعلت؟ هذا الرجل قد شُفي، الحمد لله" أو "هذه المرأة قد شُفيت، الحمد لله". لله فالرقية إنما
هي دعاء، فالرقية لا تغني عن الذهاب إلى الطبيب. اذهب إلى الطبيب وقل يا رب، وأنت ماشٍ تقول يا رب اشفني، وتتناول الدواء وتقول يا رب اشفني، وتجري العملية وتقول يا رب اشفني، فيستجيب الله سبحانه وتعالى للدعاء أو يدخر لك أو يؤخر، فإنه... حكيمٌ سبحانه وتعالى، بعض الناس يخلط ما بين هذا وذاك ويرى أن الرقية في حد ذاتها كأنها طب. لا، الرقية دعاء والفاتحة مدخل للدعاء. عندما رأى المسلمون ذلك انتشر في أقطار المسلمين قراءة الفاتحة كمدخل للعقود، يقول لك: "لقد قرأنا الفاتحة، قرأنا الفاتحة"، يعني هناك رجل يريد
أن يخطب. ابنته لم تتهيأ للخطبة بعد، فيقومون بقراءة الفاتحة، فتصبح قراءة الفاتحة نوعاً من منع الناس من التقدم لهذه الفتاة، أي أنها نوع من أنواع الإعلان الذي يقولون فيه: "لقد بدأنا الخطبة". هناك في الجزائر لا يقرؤون الفاتحة بهذا المعنى، بل يقرؤونها على عقد الزواج. يعني عندما يقول لك جزائري: "أنا عُقد كتاب الكتاب فجعلوا الفاتحة هنا أي تعني بداية العقد، عقد الزواج الفعلي وليس بداية الخطبة. في مصر يقولون لك: "قرأنا الفاتحة" يعني سنبدأ الخطبة. كذلك جعلوها توثيقاً للعقود والبيع والشراء وما إلى ذلك. فتجد الناس وهم مجتمعون ويريدون أن يعملوا عقد بيع أو عقد كذا، يقول لك: "حسناً لنقرأ بمعنى توثيقًا وبدايةً
باسم الله سبحانه وتعالى، وهذا لا بأس به ما دام قد استُعمل في شيء دلّ الشرع عليه. يعني النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته لم يكونوا يفعلون ذلك بالضرورة، ولكن الله، كلنا نحفظ الفاتحة، وما دمنا نريد أن نتبرك بشيء من القرآن، فلنتبرك بآية من القرآن التي نحفظها ما هذا؟ أي أن الفاتحة تأتي هنا؟ حسناً، والفاتحة يعني هل جعلها الشرع مدخلاً؟ جعلها مدخلاً للقرآن وجعلها مدخلاً للصلاة وجعلها مدخلاً للدعاء وجعلها... نعم، فإذا جعلتها مدخلاً للعقود ومدخلاً للبركة ومدخلاً لكذا فلا مانع من "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو". رد: أما ما كان منه فهو سنة حسنة، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم الدين". سنة حسنة تعني ماذا؟ وكيف تكون السنة؟ أن تكون تنفيذاً. لمنهج الدين ينبغي ألا نقف عند زمن من الأزمان ولكننا دائماً مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس فيها في هذه المصادر في الكتاب والسنة منهج التفكير الشرعي، ولذلك سيدنا بلال مرة رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة قال: سمعت خشخشة نعليك في... الجنة، فعلام وصلت إلى هذا يا بلال؟ قال: لا أدري يا رسول الله. فقال: فكر قليلاً. قال: إلا أنني
كلما توضأت صليت ركعتين. النبي لم يكن يعرف ولم يقل له ولم يأمره، إنما هو كلما توضأ قال لنفسه: لك الله، حسناً، ما دمت متوضئاً الآن، فلأرح نفسي بركعتين هكذا. مع الله فصارت سنة الوضوء هذه أصلاً لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم، بل بلال هو الذي فعلها لأنه فهم من الدين أننا نتبع منهجها. الفاتحة شأنها عظيم جداً، عندما تفتح المصحف تجد قوله تعالى "بسم الله الرحمن الرحيم"، هذه بداية الرسالة، بدايتها بسم الله الرحمن الرحيم، فتعرف أنها مِن عند مَنْ؟
مِن عند الرحمن الرحيم. أسماء الله الحسنى في القرآن أكثر من مائة وخمسين اسماً، وفي السنة مائة وأربعة وستين اسماً. وعندما تحذف المكرر تجدها مائتين وعشرين اسماً. بعضها صفات كمال، وبعضها صفات جمال، وبعضها صفات جلال. الله - سبحانه وتعالى - هذا من صفات الآية الكمال، إنه الله لا وجود لمثله في أي لغة كانت على وجه الأرض. الله يدل بكله عليه سبحانه وتعالى، هو
ألف ولام وهاء. إذا أزلت الألف هكذا "لله"، يبقى لا يزال "الله". وإذا أزلت اللام هكذا "له"، ماذا يبقى؟ "له". وإذا أزلت اللام الثانية هكذا، يبقى الضمير "هو". لا إله. إلا هو يدل بكليته عليه. من؟ ما أنت عندما تقول عليه هكذا وتطلق، فيكون المقصود هو الله. الكل في هذا، في أي لغة. مثلاً في الإنجليزية، عندما نحذف الحرف G أو O من كلمة GOD، فإن الكلمة لا تدل على شيء أبداً. لا توجد لغة في الأرض تعمل بهذه لدينا في الأرض أكثر من ثلاثة آلاف
وست مئة لغة حالياً، ثلاثة آلاف وست مئة لغة في الأرض، الشائع منها حوالي ثمانية وعشرين لغة، ولا توجد لغة واحدة بهذا الشكل. يأتيني أحدهم ليقول: لماذا أنزل الله القرآن باللغة العربية؟ إنه لأمر عجيب. غريبةٌ عجيبةٌ، بسم الله، كلمةٌ جامعةٌ عجيبةٌ غريبةٌ، وإلى لقاءٍ آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.