سورة الفاتحة | حـ 9 | آية 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله نعيش هذه اللحظات مع الفاتحة الشافية الكافية المتصدرة الركن لصلاة المسلمين، وهي المدخل للقرآن الكريم. مع "بسم الله الرحمن الرحيم" يوجد فيه حرف جر في اللغة العربية، وبعض الناس يقولون لك: لا بد من وجود فعل يتعلق به حرف هناك بعض الناس يقولون متعلق به متعلق به مثل الطفل عندما يتعلق بثياب أبيه فيكون لازماً أن يمسك به هكذا. فأول ما نقول به - وانتبه الآن - المسلمون صاروا يتعاملون مع كتاب الله لأنه محفوظ
ولأنه من عند الله على مستوى الحرف، ليس على مستوى الحرف فقط. كانوا يتعاملون حتى على مستوى السمع وليس الحرف فقط، بمعنى أن أحدهم يحصل له وجدان. قال لي: "أنا عندما أسمع 'بي'". فقلت له: "أين هذه 'بي'؟" فقال لي: "بسم الله". فقلت له: "نعم، بسم الله الرحمن الرحيم". فقال: "لا، أنت سريع جداً هكذا. بسم الله الرحمن الرحيم على..." بعضها هكذا أنا أول ما أسمع به، بالله مكسورة هكذا. فقلت له: ماذا يحدث لك؟ قال لي: يحدث لي شيء غريب يا أخي، يحدث لي وكأنَّ هاتفاً يهتف لي به، يكون ما يكون به - يعني
بالله - يعني أنَّ كل هذه الكائنات إنما هي بالله. قلت له: لكنه هذا تفسير. قال: لا، هذا شعور بحب ربنا يا أخي، وأنتم عندكم هذا الشعور ممنوع. قلت له: لا، أنت حر ما دام شعوراً ووجداناً. هذا الوجدان فيه إبداع وفيه تذوق، إذن انطلق. قال: حسناً. أول ما أسمع هكذا القرآن وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. قال: لا بأس. هي تفعل لي هكذا، هزت قلبي وكأنه هاتف يهتف لي "كان ما كان ويكون ما يكون"، يعني لا حول ولا قوة إلا بالله. البه حرف جرح وأدمى، حرف يعني يجب أن نتوقف قليلاً عند الحروف. ما هذه
الحروف؟ قال: والله الكلام العربي ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف. قلت: له حرفٌ مثل المباني التي تتحدث عنها. هذه الأبجدية أُطلق عليها أبجدية لأنها كانت في البداية مرتبة هكذا: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ. كان اسمها هكذا، وكانوا يعلمونها للأطفال وهم صغار ليحفظوا حروف اللغة. وهذه حروف مبانٍ لأنني أبني منها الكلمة، ولذلك أسميها مباني. هذا الطوب الذي أبني به الكلمة، مكونات الكلمة هي هذه. قلت له: "حسناً، والنوع الثاني؟" قال: "النوع
الثاني اسمه حروف المعاني". حروف المعاني. قال لي: "نعم، كل حرف له معنى وله وظيفة، وهذه على خمسة أقسام، بعضها حرف واحد مثل الباء في بسم الله، ومثل عندما تقول تالله والله". إذاً تهول وأول به حروف، وهذه المرتبة الثانية حرفين: عن، من. المرتبة الثالثة ثلاثة حروف: إلى، خلا. المرتبة الرابعة أربعة حروف: لعل. قلت له: هذه "لعل" هذه ثلاثة حروف، فقال لي: لا، فاللام الأخيرة مشددة والمشدد يصبح بحرفين، "لعل" "حاشا" أربعة حروف هذه. قلت له: المرتبة
الخامسة إذاً. تقول خمسة أقسام، قال لي خمس حروف مثل "لكن"، وأيضاً "لكن" الألف لا تُكتب والنون بحرفين، فتصبح خمسة حروف. قلتُ له: حسناً، وماذا عن ستة حروف؟ قال لي: لا يوجد. إذن تكون حروف المعاني إما على حرف أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، ويصبح الذي معنا هنا بسم أي نوع من النوع الأول الذي هو الحرف الواحد وهذه حروف معانٍ. طول حروف المعاني هذه، ما معناها يعني؟ قال كل شيء له معنى. هذه لها معانٍ كثيرة. قلت له: طيب، وحروف العربية التي مثل هذه. أنت تقول لي إنه توجد حروف معانٍ. كم حرفاً؟ نحن نعلم أن حروف... المباني يا تسعة وعشرون حرفاً لأجل الذي جمع الألف، أو ثمانية وعشرون حرفاً عند
الذي ليس لديه الذي جمع الألف. هذه عرفناها. حروف المعاني كم حرفاً يا حبيبي؟ قال إن حروف المعاني تسعون حرفاً. تسعون حرفاً، كل حرف له معنى أو ما معناه أو ثلاثة أو أربعة أو تسعة. قلت له: "الله، هذه المعاني كثيرة إذن". قال لي: "ستة وخمسون معنى، ستة وخمسون معنى، فتكون حروف المعاني تسعين حرفاً". قلت له: "حسناً، هلا عملت لي جدولاً واكتب لي فيه هكذا التسعين حرفاً هؤلاء، واكتب الستة والخمسين معنى، وأخبرني ما المعاني التي يحملها كل حرف". قال لي: "لم يفعلوها". المسلمون قبل ذلك قلت له أين؟ قال لي ابن هشام المصري. ابن هشام مدفون
عندنا هنا عند سور القاهرة. ابن هشام ألّف كتاباً اسمه "مغني اللبيب"، واللبيب يعني العاقل، "عن كتب الأعاريب"، وقال فيه إن الذي يتقن حروف المعاني هذه يصبح متميزاً ويصبح علامة، فذهب وألّف كتاب "مغني اللبيب". عن كتب الأعاريب وعمله كما تريدينه، فقد جمع الحروف كلها وأوضح معنى كل حرف: هذا للتبعيد، وهذا للابتداء، وهذا للانتهاء، وهذا الحرف يدل على القسم، وهذا الحرف يدل على التحضيض (وهو حث على فعل شيء)، وهذا الحرف يدل على الغاية، وهذا الحرف يدل على كذا وهكذا. معنى ستة وخمسين معنى، طيب
التسعون حرفاً هؤلاء كلهم ذُكِروا في القرآن؟ قال: لا، لم يُذكروا كلهم في القرآن، لقد ذُكِر في القرآن الأقل. والستة والخمسون معنى هؤلاء ذُكِروا في القرآن؟ قالوا: لا، لم يُذكروا في القرآن، لقد ذُكِر منهم الأقل. إذاً لماذا جاء هذا القرآن؟ أليس لأجل... يحفظ لغة العرب، قال: لا، هذا لأجل تنقية لغة العرب، هذا لأجل تصحيح فكر العرب، هذا لأجل تعليمهم التفكير المستقيم. يصبح كتاب الله - لو أننا درسنا ما فيه من لغة - يُقَوِّم التفكير ليصبح مستقيماً. ها هو إعجاز فوق إعجاز. كتاب الله سبحانه وتعالى فيه
جذور لغوية، نحن عندنا يوجد في اللغة العربية ثمانون ألف جذر. وكم جذراً في القرآن؟ ألف وثمانمائة وعشرة جذور، مثل: ضرب، أكل، شرب. هذه الألف وثمانمائة وعشرة جذور من أصل الجذور اللغوية. وعندما تقسمها على ثمانين ألفاً، تصبح النسبة حوالي اثنين ونصف في المائة تقريباً، أو شيء من هذا القبيل. القرآن اثنان ونصف في المائة من لغة العرب، الله هو من يحافظ عليها وهو يعلمك التفكير المستقيم. ما هذا الإعجاز؟ هذا ليس مجرد كثرة كلام. قال: لا، ليس كثرة كلام ولا أيضاً تكراراً مملاً أو مخلاً. قلت له: كيف؟ قال لي:
طوال استواء مرة، ألف كتاب كبير هكذا اسمه "الحرب قالوا: "يا لَهُ من أديب كبير جداً". لماذا؟ قال: "لأنه لم يذكر أربع كلمات، لم يكررها، أربع كلمات في الكتاب كله لم تتكرر". حسناً، ونحن عندنا هنا كم كلمة لم تُكرر في هذا الحجم الصغير الذي هو ألف وثمانمائة جزء؟ ألف وستمائة وعشرون كلمة لم تتكرر. ذُكِرَت مرة واحدة فهذا من عند محمد أبداً، والله هذا من عند الله، هذا من عنده. هل يوجد أحد يستطيع أن يفعل هكذا؟ هذا أسلوب الكاتب، لا بد أن يكرر لازمة عنده، لكن ألف وستمائة وعشرة وذكرت لأجل أربع كلمات قالوا عنه إنه أديب الأدباء، نعم هو كذلك. سيدنا محمد ليس أديب الأدباء، سيدنا محمد
مبلغ عن ربه، سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا حول له ولا قوة، إنما تلقى ذلك من ربه بإذن ربه من أجل دعوة ربه إلى خلق ربه سبحانه وتعالى. "ليس لك من الأمر شيء" عليه الصلاة والسلام، وإلى اللقاء. نستودعكم الله أخيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.