سورة المائدة | حـ 847 | 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى في أولها: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. هذه العبارة من الآية وحدها كفيلة بنشر الإسلام في العالم كما كان. فقد نُشِر الإسلام في العالم في إفريقيا بجملتها وفي آسيا بجملتها وفي أوروبا والأمريكتين بجملتهما وفي أستراليا عن
طريق الصورة الحسنة والأسوة الحسنة للمسلمين ولتجار المسلمين. دخل تجار المسلمين هذه البلاد فأحسنوا، وشاع عنهم الصدق والأمانة والوفاء بالعقود. وإذا نُزع الوفاء بالعقود بين الناس اضطرب السوق وساءت صورة الإنسان لدى الآخرين. العالمين وإذا حَسُن الوفاء فإن الصورة تتحسن. العقد هناك عقد فردي
بينك وبين شخص آخر، وهناك عقد بينك وبين دولة. فمثلاً قبلت أن تنزل في دولة أو كنت فيها، فهناك عقد اجتماعي لأن تأخذ جنسيتها. فأنت الآن في إنجلترا أو في ألمانيا أو في أمريكا متجنس بجنسيتها يعني عملت. بينهم وبينك وبينهم عقد، وهذا العقد له ما يترتب عليه، وما يترتب عليه أن تدافع عن هذه الجماعة، ألا تسرق هذه الجماعة، ألا تكذب على هذه الجماعة، أن تكون صالحاً في أوساط هؤلاء. نرى بعضهم
خطأً وخروجاً عن تعاليم الإسلام وتأويلاً لبعض النصوص الفقهية هنا أو هناك بعد أن تنتزع. من سياقاتها يقول إن سرقة هذا المجتمع الكافر حلال. تخيل أنهم احتضنوك وأعطوك المساعدات الاجتماعية التي يقدمونها وعلموك، ثم تقوم بسرقتهم. المصيبة ليست أنك تسرقهم، المصيبة أنك تسرقهم تحت عنوان الإسلام. ما علاقتك بالإسلام؟ إذا سرقتهم فهذا حرام، وأنت لص يجب القبض عليك مثل
أي لص آخر وتُعاقب بالعقوبة المنصوص عليها. ما دخل [الإسلام في هذا]؟ الإسلام في هذه القصة أن المجرم من شدة إجرامه يقول: "أنا لم أُجرم، بل إنني فعلت هذا لأن الإسلام هو الذي أمرني أن أفعل هذا". يعني والله لو أن أعداء الإسلام الذين يكرهون الإسلام أرادوا أن ينفقوا مليارات من أجل أن ينتزعوا مثل هذا، أو أن يجعلوا أحداً يكذب هذه الكذبة. هذا الرجل لا يكذب، إنه يقول ما في عقله. دعونا ننتقد أنفسنا ونرى جذع النخلة الذي في أعيننا قبل أن نرى القذاة في عين أخينا. لو أنفقوا مليارات ما وجدوا مثل هذا، يعني أنه جاء هكذا بسهولة. ولا تتخيل أنه عندما
لم يوفِ بعقده أضر بالإسلام، تخيل. أنه صد عن سبيل الله، تخيل أنه صد عن سبيل الله، تخيل أنه بصده عن سبيل الله هذا قد أغلق الهداية على العالمين. النبي يقول: "بلغوا عني ولو آية"، وليس "اكذبوا علي". بلغوا عني ولو آية. وفي شأن الكذب علي قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"، لأنه صد. عن سبيل الله لأنه فيه تمييع للمصادر، فأنا لا أعرف أهذا صحيح أم خطأ، فقد
أصبح فيه قطع للطريق على الهداية. فهذه كلمة لإخواننا الجهلة الذين يضرون الإسلام والمسلمين ويؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم، عليهم أن يتوبوا سريعاً وأن يوقفوا هذا النزيف. كان هناك شخص يجعل... الثاني ينزف دماً حتى يموت. لا بد عليهم أن يوقفوا هذا النزيف ضد الإسلام والمسلمين. حسبنا الله ونعم الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله. المسلم إذا عقد عقداً في بلاد غير المسلمين مع غير المسلمين لا بد عليه أن يوفي به عند جميع المسلمين،
لدرجة أن الإمام أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد قال: حتى ولو كان العقد فاسداً، كيف عملت عقداً بيني وبين شخص إنجليزي في إنجلترا؟ هذا العقد في الفقه الإسلامي فاسد. هل أمضي فيه طبقاً لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" أم لا؟ أبو حنيفة يقول لك: امضِ فيه، لكنه فاسد عندنا. قال. ما هو في الأصل أنت لست عندنا، أنت لست عندنا، والعقد ليس
عندنا، والعقد ليس معنا، والله تعالى قال: "أوفوا بالعقود"، فأوفِ بهذا العقد. قال له: لست مطمئناً، هذا كلام ثقيل، إنني في إنجلترا. انتبه يا سيدي، الإمام أبو حنيفة، أنا في إنجلترا ومع شخص إنجليزي، وقد أبرمنا عقداً واتضح أن هذا العقد... لا أوافق عليه في الشريعة الإسلامية، اتبعه. قال له: سأتبعه لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". قال له: نعم، أوفوا بالعقود. قال له: هل هناك دليل آخر حتى تطمئن نفسي؟ فليس من المعقول هكذا. قال له: أين الدليل الثاني؟ قال له: ربا. العباس في مكة وكانت دارًا لغير المسلمين، هذا
العباس متى أسلم؟ قلت له: أسلم في بدر، أسلم يوم بدر. تركه النبي في تعاقدات ربوية مع المشركين في دار غير المسلمين، فلما فتح مكة وصارت دار إسلام قال: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول ما أضع ربا العباس عمي". اللهُ يا سيدنا رسول الله، أنت تعلم أن العباس يربي، نعم وهذا صحيح. نعم، فلماذا لم تنهه؟ لأن العقد كان قائماً في بلاد غير المسلمين مع غير المسلمين حتى ولو كان غير شرعي. ياه ياه، يظهر
أن هناك أناساً كثيرين جداً لا يفهمون أشياء كثيرة جداً. هذا سيدنا. رسول الله يريد أن يبلغ القضية للعالمين، هؤلاء العالمون الآن أصبحوا ستة مليارات، كيف ستبلغها إلا بهذه الأشياء الجميلة؟ "أوفوا بالعقود"، وتوفي بالعقود فعلاً وتكون هكذا بكل هدوء، أما أن تقول: لا، الشريعة تقول لي هذا، والشريعة تُعِدّ لي، ويُخلط ويفعل وكذا إلى آخره، وفي النهاية نخرج مهزوزين هكذا، شكلنا مهزوز، سيقول... أقول للإنجليزي: هل هذا ليس باطلاً في شريعتك؟ فيجيب: نعم. فأقول له: حسناً، لماذا تستمر فيه؟ أرد عليه: أستمر فيه وفاءً بالعقد. انظر إلى الحجة القوية!
الإنجليزي سيقول لي: ياه، حتى لو كان مخالفاً لشريعتك؟ قلت له: شريعتي هكذا، أن لا أتراجع عن كلمتي. وأن أوفي بعهدي ولو على رقبتي، هذه هي شريعتي. يا الله، هذا شيء جميل جداً. من لا يريد أن يفهم هكذا فهو حر، ولكن الأمر واضح: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.