سورة المائدة | حـ 851 | 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 851 | 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". والوفاء بالعقود بركة، والبركة فيها نماء وزيادة. الوفاء بالعقود بركة على كل من العاقدين، على كل من العاقدين. لأن الوفاء بالعقود دليل الصدق والشهامة، الوفاء بالعقود دليل أن
الدنيا ليست متملكة لقلوبنا بل هي في أيدينا، الوفاء بالعقود دليل على أن الشرف فوق المصالح الضيقة، وهذه المعاني بها استقامة الاجتماع البشري، فالوفاء بالعقود فيه أمن وأمان واطمئنان، وهذا هو حقيقة البركة. شاهدنا الذي يوفي بعهده وبعقده قول ربنا. يُبارك له في القليل، شاهدناها بأعيننا ونضرب
لذلك أمثلة. رجل اتصل بالهاتف وسأل عن سلعة: "نريد أن نشتري طن قمح". قال له: "ما المشكلة؟ عندي طن قمح". "تبيعه بكم؟" "بكذا". اتفقوا على سعره. قال له: "حسناً، البيع انعقد". السؤال: هل الهاتف يصلح؟ والإجابة: نعم يصلح، لكن أنا أسكن في... القاهرة والذي أتصل به ساكن في أيوب، هل يصلح ذلك؟
أنا ما زلت سأركب السيارة، وحتى أصل إليه سيستغرق الأمر ساعة أو ساعتين. هل يصلح؟ هل حدث هذا العقد في مجلس واحد أم في مجلسين مختلفين؟ قالوا في مجلس واحد، فالهاتف معي هنا والهاتف معه هناك، ففي مجلس واحد ضمن. تباعَدَت الشِّقَّةُ والمسافةُ لكنْ هو مجلسٌ واحدٌ. قال له: طيّبٌ. فلمّا ذَهَبَ إليه قالوا: لا والله، لقد اتَّضَحَ أنَّ الطُّنَّ غَلا مائةَ جنيهٍ بعدَما اتُّفِقَ والعقدُ انعقَدَ. وخلالَ الساعةِ التي وصلَ فيها إليه ليُسَلِّمَ ويستلمَ،
وكان ذاهباً معه بالسيارةِ ليَحمِلَ الطُّنَّ، رَجَعَ في كلامِهِ. فقال له: لكننا اتفقنا. قال له... أبداً، لا تسلم، هذا مال يتامى. الكذب أصبح مال يتامى، هو ليس لديه لا يتامى ولا لديه أي شيء ولا لديه أولاد أصلاً، لكنه يقول لك هذا مال اليتام، وأنا هذا أنا أصلاً لا أستطيع أن أتصرف في مال اليتام. حسناً، إنا لله وإنا إليه راجعون. وأخذ الرجل بعضه ومشى، لغيره بعد أن انعقد العقد بالمائة جنيه، هذه الزيادة -
يا إخواننا - قد شاهدناها في الحياة الدنيا ونقول إنها بهذا الشكل تسبب ألماً في القلب يحدث عند الناس. لا يوجد أحد مستعد أن يحترم كلمته. نحن لا نشمت في أحد وإنما نرى فعل الله. الرجل أخذ أغراضه ومضى، لكنه لا دعا عليه ولا قال له لا ولا أوه، بل قال خلاص أمرنا لله ومضى. وهذا الرجل أخذ المائة جنيه، وعندما أخذ المائة جنيه وباع الطن بزيادة مائة جنيه، ذهب إلى بيته. ولم تمض نصف ساعة أو
ساعة حتى احترق ربع المخزن. حسناً، ومن عند من جاء هذا؟ وماذا سنفعل؟ يحب هذا الرجل أيضاً لكي يلفته ويلفت نظره أن يكون وفياً بعقوده. لم يتركه هكذا مستمراً في غيّه إلا إذا كان هو غير منتبه. فلما ذهب وجد عجباً، يعني أن الله يربيه وإنما يربينا نحن أيضاً. وجد عجباً، هم طبعاً أطفأوا الحريق، وبعدما جاء وجد أن الذي... احترق ما يساوي مئة جنيه. وهذا هو الجزء الذي فيه تربية
وفيه رحمة من ربنا. فالله سبحانه رحيم، وهو لا يُخطئ، لكنه يُعلِّمه عسى أن يتعلم. الله عاقبه بمئة جنيه فقط، وذلك لكي يُضيِّعها عليه لأنها جاءت من طرق غير مشروعة فذهبت في أمور تافهة. ما معنى "نهابر ونهاوش"؟ أي هكذا من نوع من أنواع الشهامة ويعني من نوع من أنواع الحول والقوة في ظنه وهي ذهبت بلا حول ولا قوة إلا بالله. كان في الزمان الماضي وأدركناهم والحمد لله أناس مختلفون، أناس كانت تنتبه إلى فعل الله في الكون وتتعلم
منه الأدب. فرجل يبيع القط كان اسمه سليم بيه. أبو العلى رحمه الله وسليم بيك جاءه الرجل الذي يشتري القطن واتفقوا على سعر الأمتار بمبلغ معين وأعطاه عربونًا وتم البيع. وعندما ذهب، جاء الخواجة بعده وعرض مائة جنيه. كلام مهم، فمائة جنيه كانت تساوي شيئًا كبيرًا جدًا، زيادة في الصفقة كلها. قال له: "لا". فقال له: "ما الأمر معك؟" أنت سلَّمت أم بعت؟ ولم يقل له: أعطيت كلمة، أعطيت كلمة وأخذت أيضاً عربوناً. كيف
أتراجع عن كلامي؟ قال له: هذه مائة جنيه. مائة جنيه في ذلك الوقت كانت تشتري بيتاً وكانت تشتري سيارة، وكانت المائة جنيه هذه شيئاً ذا قيمة، يعني مائة جنيه. قال له: أبداً، لا مائة ولا اشتكى التاجر الأجنبي غاضباً جداً وقال له: "هذا ليس كلاماً مقبولاً، أنا زبونك، اشتريت منك العام الماضي والعام الذي قبله والعام الذي قبله." فرد عليه قائلاً: "والله يا سيدي، انظر إلى الأمر، يقول الله تعالى: 'أوفوا بالعقود'، وأنا لا أستطيع إلا أن أفي بالعقود، فلا تؤاخذني، لن أتراجع." قال له: "المصلحة والمال هذا خدعك وضحك عليك". قال له: "لا، لم يخدعني ولم يضحك علي، كان
سعر القطن هكذا، ونحن نتفق اليوم، ثم زاد السعر، أنا لا شأن لي بذلك، هذا رزقه هو". قال له: "حسناً، خذ بعضه وامضِ". وجاء الرجل في اليوم الثاني الذي اشترى وحمل القطن ومضى، المائة جنيه الزيادة التي عرضها الخواجة على سليم بك أبو العلق لم يخسر بسببها شيئاً، لكنه لم يسكت، بل ذهب إلى الخواجة وقال له: "ما رأيك يا خواجة، أدِيننا أفضل أم الدين الذي أنت عليه أفضل؟ لو كنت قد قبلت وأخذت منك، كم كنت ستخسر؟" فقال له:
"كان بيتي سيخرب". الوفاء فعل شيئاً ليس لي أنا فقط، بل إن البركة وصلت إليك أنت أيضاً. يعني أنت جئت وتريد أن تكسب، وإذا بك كنت ستخسر الجلد وسقط كما يقولون، وكنت ستخسر المائة جنيه، وكنت ستذهب في هذا، فيكون ديني الذي يأمرني أفضل. قال له: دينك أفضل، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله عليكم السلام ورحمة الله