سورة المائدة | حـ 857 | 2 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام"، وربنا سبحانه وتعالى حرم علينا أن نقاتل في الشهر الحرام كما تقدم في... سورة البقرة والشهر الحرام ثلاثة متتالية: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد وهو رجب. ولذلك يسمى برجب الأصم ورجب الأصب ورجب الفرد من أجل أنه تفرد في الحرمة من بين الشهور، منها أربعة حرم. وقد فصَّل
لنا ربنا سبحانه وتعالى أن لا نقاتل في الشهر الحرام إلا إذا قوتلنا. يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله. إذًا فالشهر الحرام لا يتعداه المسلم أبدًا لأن الأصل في العلاقة بين الإنسان والإنسان هو السلام الذي جعله الله للمسلمين تحية فيما بينهم وبينهم وبين الأكوان. حتى إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه يعلم حجراً كان يسلم عليه قبل النبوة في مكة، الحجر يقول لسيدنا رسول الله وهو ذاهب إلى غار حراء: "السلام عليك يا سيدنا
محمد"، وسيقولون لي: لا، إنه قال له: "السلام عليك يا محمد"، لا بأس، هو سيقول له يا محمد، ماذا قال له؟ سأقول له: يا سيدنا محمد، أنت سيد ولد آدم ولا فخر، سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، سيد بني عدنان، سيد بني آدم، لأنه هو المثال الأكمل الأتم. "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، هذه علامة الحب. "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، فهو باب الذكر، ولذلك فهو باب الطمأنينة القلبية، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. فنهانا أن نحل
الشهر الحرام إلا بما أحله هو، لا تحلوا أنتم، لكنه هو سبحانه وتعالى الذي يحل، الزمن زمنه، النهي هو أنه لا حاكم إلا الله سبحانه وتعالى، إن الحكم إلا لله. وكذلك الهدي أيضاً لا يحل، فالهدي قبل أن يبلغ محله لا يحل. فهو آتٍ، فلا تحله. متى تحله وتذبحه؟ عندما يصل إلى محله، ومحله هو مكة. ولذلك لا يجوز أن يكون الهدي خارج مكة. فإذا كان على في مصر لأن الفقراء هنا أكثر، لا يصح أن أذبحه هناك
وأحضر لحمه إلى هنا. منظمة المؤتمر الإسلامي تفعل ذلك، والبنك الإسلامي وغيرهما يفعلون ذلك، يذبحون الهدايا ثم يوزعونها على المسلمين بفتوى العلماء، لكن لا تذبحوها هنا. حسناً، ما الفرق؟ لقد بدا للنقل، نعم هذا أمر يخص... ربنا جعل هذا المكان تتنزل فيه الرحمات. نحن لا نتبع فكراً، فالإسلام ليس فكراً، وليس مذهباً أخلاقياً، بل الإسلام دين. وماذا يعني الدين؟ يعني أن نرى ما أراده الله تعالى ونطبقه، فالله يحكم بما يريد، لا بما نريد نحن. فهذا دين تتنزل فيه الرحمات، فعندما يحدث هناك الذبح وأنه...
يعني لا ينال الله لحومها ولا دماؤها ولا لحومها ولكن يناله التقوى منكم، يا أخي في تقوى، الأمر ليس مادياً فقط هكذا، مصاريف نقل وليست مصاريف نقل، لا، هذه القضية لو كان الإسلام فكرة يسمونها إيديولوجيا، حسناً، أنا يكون لي فكرة وأنت لك فكرة وهو له فكرة، لكن هذا هو دين نفكر في كيفية التطبيق، نفكر في كيفية الفهم، نفكر في كيفية المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، لا نفكر في تغيير ملامح الدين. لا يصح تغيير الهدي ولا القلائد، التي تكون مثل العقد يضعونه على الهدي وهو
مساق إلى بيت الله الحرام. احذروا أن تحلّوها، احذروا أن تعتدوا عليها الطريق يقطع الطريق ولا كذا إلى آخره ولا أيضاً تعتدوا وتستحلوا آمّين البيت الحرام فيكون آمّين هنا ماذا؟ مفعول به، فتكونوا تستحلون الآمّين البيت الحرام وتعتدوا عليهم أو وهم ذاهبون في الطريق تهجمون عليهم وتسلبونهم وتنهبونهم ولا آمّين البيت الحرام فيكون لا تحل الشعائر ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام منصوبة، فيكون إذا تسلطت عليها الآية النهي عن الحل هذا،
لا تحل آمين البيت الحرام، واحذر أن تستحله. الذين يذهبون إلى البيت الحرام قاصدين إياه، والأمم قاصدة آمين البيت الحرام، ومنه الإمام لأنه يتوجه إلى القبلة والناس تنظر إليه في حركاته، فإن قام قاموا وإن رفع رفعوا إلى آخره فهو إمام لأنهم يقصدونه في حركاته يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً. إذاً فعندما تعتدون عليهم فقد صددتم عن سبيل الله ومنعتم هؤلاء الناس من الدعاء ومنعتم غيرهم. وذلك عندما يكون من ضمن الأمور التي ذكرها الفقهاء أن
الطريق إلى الحج إذا كان غير آمن وفيه قُطاع الطريق والحرامية هم من لم يذهبوا، ومن ضمن الاستطاعة أمن الطريق، لا بد أن يكون الطريق آمناً، فعندما تجعل الطريق غير آمن فقد صددت عن سبيل الله ومنعت العبادة ومنعت غيرهم أيضاً غير المعتدى عليهم. هذا إخوة سمعة سيئة ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً وإذا. حللتم فاصطادوا، يعني إذا نهانا عن الصيد ونحن مُحرِمون وأمرنا ألا نتعدى حدود الله وألا نُحِلَّ شعائر الله، هذا
النهي له وقت محدد إلى أن نتحلل. الدين هو العبادة والمناسك والشعائر، إذاً فعلينا أن نعود مرة أخرى حلالاً فنصطاد. "فاصطادوا" كلمة "اصطاد" على وزن "افتعل"، أصل النهي الذي جعلها "طه" أنتَ تنطق طاء. ها هو قال لك أربعة حروف، عندما تأتي التاء بعدهم تتحول إلى طاء. الصاد والضاد والطاء والظاء، وهذه الأربعة يسمونها ماذا؟ يسمونها حروف الإطباق. لماذا سموها إطباقًا؟ لأن اللسان يطبق على سقف حلقك (فمك) من الأعلى،
فيطبق هكذا. هذه الحروف الأربعة شديدة جدًا والتاء رقيقة، فدائمًا من... جَوْر السعيد يسعد، فتأتي وقد أخذت القوة من الأحرف الأربعة هذه، وتتقلب إلى ماذا؟ إلى القوة الخاصة بها التي هي الطاء. وهكذا دائماً، الطاء في افتعال تُرد أثرها مبقياً، إذ أن الطاء في افتعال تُردها طاءً إذا جاء بعدها واحد من الحروف الأربعة هذه. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله،