سورة المائدة | حـ 858 | 2 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ وإذا حللتم فاصطادوا يعني إذا خرجتم من نطاق الإحرام الذي حرم الله فيه على المحرم أن يحلق رأسه وأن يلبس المخيط وذلك للرجال وللنساء أن تخفي وجهها أو أن تستر يدها فكل ذلك من محرمات الإحرام وكذلك قضية
الصيد فحرم الله علينا حال كوننا محرمين أن نصطاد والصيد إنما يكون لبهيمة الأنعام وبهيمة الأنعام شيء له تفاسير ونحن نختار منها أنها ذوات الأربع. بهيمة الأنعام ذوات الأربع، قيل لعل بهيمة الأنعام أن تكون هي البقر والإبل والغنم، لكن أمثال الضحاك يرى أن بهيمة الأنعام هي كل
ذي أربع. يبقى كأن هناك فارق ما بين كلمة بهيمة الأنعام وكلمة الأنعام، فالأنعام تُطلق على الثلاثة: البقر، والإبل (الجمال والنوق)، والغنم. لكن بهيمة الأنعام تُطلق على كل ذي أربع. فيقول: "وإذا حللتم فاصطادوا". حللنا، ثم أتى أمرٌ بعد التحريم، فعلى ماذا يدل؟ انتبه وأنت مُحرِم، هناك نهيٌ موجَّه إليك: لا تصطد، لا تصطد
أبداً، إياك أن تصطاد، محرمٌ عليك الصيد. انتهى وقت الإحرام وتحللت. فقال "فاصطادوا" وإذا حللتم "فاصطادوا" إذن أمرٌ جاء بعد الحظر. كان في وقت محظور عليك أن تصطاد، انتهى الوقت فقال تعالى: "فاصطادوا". فبعضهم قال هذا للوجوب، تصبح هذه العملية صعبة جدًا، يعني كل واحد يخرج من إحرامه يجب عليه أن يصطاد، وهذا الصيد فن، والصيد
لا يتقنه كل أحد. والصيد هذا مكلف يعني حتى تخرج إلى البراري وتصطاد غزالة أو تصطاد يعنى آيل يعنى صعب يفعله الملوك، يقول لك إنه في رحلة صيد. رحلة الصيد تعني أنها شيء مكلف جداً أن تكون في رحلة صيد. وهناك من قال أن عبارة "وإذا حللتم فاصطادوا" تعني أن الأمر بعد الحظر يفيد الوجوب، هذا مذهب ضعيف، فما فائدة ذلك إذن؟ قال إنه يُرجِع الأمر إلى ما قبل الحظر وهذا هو المذهب الثاني، يُرجِع الأمر إلى ما قبل الحظر الصيد
قبل أن تُحرِم كان مباحاً، فيبقى بعد أن تنتهي من الإحرام يرجع ويصبح مباحاً، لأن الأمر قد يفيد الوجوب وقد يفيد الندب، لكن أيضاً قد يفيد الإباحة وذلك أنه يفيد بالأمر هذا ما قبل الحظر. "إذا قضيت الصلاة من يوم الجمعة فانتشروا"، "إذا قضيت الصلاة"، فإذا قضيت الصلاة ماذا؟ "فانتشروا". كان محرماً عليك في فترة الصلاة (في الخطبة والصلاة الركعتين) أن تبيع وأن تشتري وأن
تتكلم مع صديقك. ها، من قال لصاحبه والإمام يخطب: "انصت، فقد لغا"، وفي زيادة في تاريخ واسط ومن لغا فلا جمعة له، أيضاً يعني كأنه سيبطل ثواب الجمعة إذا تحدث أحد مع جاره هكذا يقول له: كيف حالك اليوم؟ حسناً، هل تمر علي بعد الصلاة؟ فيكون كأنه خالف. حسناً، إذا كان أنا محرم علي أن أتكلم أو أبيع أو أشتري في وقت
الجمعة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوا إلى ذكر الله وذروا البيع. حرَّم عليك أن تبيع وتشتري، فإذا انتهت الصلاة فيقول
أنه إذا قضيت الصلاة فانتشروا. "انتشروا" هذه تكون للوجوب أم للندب أم لرجوع الأمر إلى ما كان قبل الحظر؟ لرجوع الأمر إلى ما كان قبل الحظر سيكون انتشارنا، فما فائدة قوله "انتشروا"؟ وماذا يعني "انتشروا" في فهمك؟ قلت له: والله، "انتشروا" تعني بِعْ واشترِ. قال: حسناً، إذاً فهو مباح. أليس البيع والشراء قبل الصلاة كان مباحاً؟ إذاً بعد الصلاة عاد مرة أخرى وأصبح مباحاً. وقال لي شخص آخر: لا، "انتشروا" عندي تعني طلب العلم نجلس نعطي درساً بعد الجمعة، أقول
له: حسناً. طلب العلم قبلها كان ماذا؟ كان مندوباً، فيبقى بعدها مندوباً. هذا يعني أن الأمر بعد الحظر يرجعه إلى ما قبل الحظر، يرجع المسألة إلى ما قبل الحظر. أفهمت؟ هيا نجعلها أكثر تعقيداً قليلاً حتى نفهم الكتب القديمة كيف كانت مصنوعة. يقول لك والأمر بعد الحظر يعيده إلى ما قبله، هي هي يعني يعيده، يعيد هذا الأمر إلى ما قبله الذي هو الحظر، فلا بد أن تعرف الضمائر، هذا الضمير راجع إلى ماذا وهذا راجع إلى ماذا وهذا راجع إلى ماذا؛ فتفهم، إذا لم تعرف الضمائر فلن
تفهم، فلا بد من فهم العبارة أنك تعرف أن هذا الضمير عائد على ماذا، وإذا حللتم فاصطادوا يعني فاصطادوا هنا ليس أمراً للمؤمنين أن يتوجهوا إلى الصيد وأن يتكلفوا كلفته لأن الصيد هذا مكلف جداً ويحتاج إلى مجهود ويحتاج إلى خبرة ويحتاج إلى وقت ويحتاج إلى دربة، كما أنك لو اصطدت أنت الذي في العصر الحاضر هذا لو اصطدت إلى أين تذهب بصيدك وماذا تفعل به؟ والله ولا تعرف تستعمله في شيء لأنك لست معتاداً على ذلك. أنت فقط معتاد أن تذهب لتشتري اللحم من الجزار، وليس أن تحضر غزالة. ماذا ستفعل بالغزالة؟ "وإذا حللتم فاصطادوا". انظر إلى أهمية شيئين: أهمية
اللغة وأهمية أصول الفقه، لأننا لو سرنا باللغة فقط، من الممكن أن يأتي شخص ويقول لك إنه واجب عليك إذا انتهيت من الحج والعمرة أن تخرج في البراري وتصيد، فتذهب وتفعل هكذا، فتتوه في البرية وتموت، فيصبح ماذا؟ قتلوه قتلهم الله لأنهم لا يعرفون. هلا سألوا إذ لم يعلموا. وهذا هو الذي نحن واقعون فيه في أيامنا التي نحن فيها هذه، كل واحد يقول شيئاً وهو ليس لديه فكرة عن اللغة ولا. عن الأصول ولا عن الفقه ولا عن أي شيء يُقال وأي شيء لا يُقال ولا عن المآلات، وكل هذه الأشياء تؤدي إلى صدام مع الدين. "ولا
يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا"، يعني لا يجرمنكم، ما معنى لا يجرمنكم؟ أي لا يدفعكم، لا يدفعكم ويؤدي بكم. وهذه "لا يجرمنكم" - أريد الآن تفصيلها، ولذلك نلتقي في حلقة أخرى لنكمل قوله تعالى "ولا يجرمنكم"، فإلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.