سورة المائدة | حـ 859 | 2 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى في وسط الآية الثانية: "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا". "ولا يجرمنكم شنآن قوم" يعني هذا تركيب في تركيب. هكذا في اللغة العربية تتفاهم مع بعضها تسمى العبارة تعبيراً متكاملاً هكذا، والله عليم بذات الصدور،
ليست بحاجة لتفكيكها واحدة واحدة. والله عليم بنفس، ذات يعني نفس، الصدور جمع صدر. لا، هي معناها "الله عليم بذات الصدور" معناها أن الله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء، بباطنك وظاهرك، بما يدور في نفسك وبما تفعله سراً وما تفعله جهراً، بما أخفيته أو أسررته أو أعلنته. معناها هكذا كتعبير. كما يقول سيدنا رسول الله - مثلاً - "مات حتف أنفه". هذه الكلمة تعبير معناه أن الشخص مات في الفراش من غير سبب معتاد مثل القتل. فعندما يقتل
شخص شخصاً، يقوم أهل المقتول. يموت مثل المرض بسبب المرض، تقول إنه مات بسبب المرض. أما "حتف أنفه" فيعني أنه لم يقترب منه أحد ولا شيء، نام فمات، نام وأثناء النوم مات حتف أنفه. لا تسأل ما معنى "حتف" وما معنى "أنف" لأن التعبير يُفهم هكذا متكاملاً، وهذا من ضمن التعبيرات الكنائية. تقول فلان كثير الرماد، ماذا يعني كثير الرماد؟ يعني أن عنده رماداً كثيراً، الرماد الذي يأتي من الجمرة التي أتت من النار، نعم، لأنه رجل
كريم. كثير الرماد يعني كريم، والرماد الكثير هذا، فبافتراض أننا لا يوجد عندنا الآن رماد، أيضاً تقول فلان كثير الرماد، لأن معناها أصبح ليس أنه... عنده رماد كثير فهو يضيف أناساً كثيرين فهو كريم. لا، هي أصبح معناها مباشرة: هو كريم. معناها هكذا: طويل النجاد (طويل السيف الخاص به)، حاضر للنجدة. حسناً، ليس هناك سيوف الآن، لكن يوجد شخص تراه يسارع لنجدة أخيه، سيكون هذا كريماً عنده طويل النجاد، كثير الرماد. ولا يجرمنكم شنآن قوم، يعني...
لا يدفعنكم، لا يكون ذلك سبباً ومبرراً تبررون به لأنفسكم أن تعتدوا، لا يكن هذا الشنآن - وهو يعني الكراهية - أنا غاضب من هذا الشخص وأكرهه، غاضب منه وأكرهه، ولكن لا بد أن أكون عادلاً معه، "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، ولا يجرمنكم شنآن. قم هنا، إنهم صدوكم، صدوكم، يعني الصفة التي سببت الكراهية والشنآن الذي يحذرك فيه ربنا
أن تجعله مبرراً ودافعاً لك وحجة عندك لأن تعتدي. العدوان ليس مقبولاً منك حتى على من تكره، حتى لو كان سبب هذه الكراهية أمراً دينياً، حتى لو كان سبب هذه الكراهية أمراً مشروعاً لك. صدونا. عن المسجد الحرام ظلمونا، نعم هم ظلمونا، نعم وارتكبوا سيئة، نعم وهي سيئة تصلح لأن تكون مبرراً للعدوان، نعم. وإياك أن تعتدي مع كل هذا، احذر أن تعتدي. ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم، يعني لأنهم صدوكم،
يعني يبرر الشنآن. أنت لماذا متغاظ منهم يا أخي لأنهم صدوا لي عن. المسجد الحرام بعدل أو بظلم، وعضوان ليس لهما حق. ولا يجرمنكم شنآن قوم صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. هذا ليس مبررًا، وإن كان في الظاهر عند العقلاء مبررًا، لكن عند الأتقياء ليس مبررًا. هو مبرر معقول المعنى قد لا يلومني عليه كثير من الخلق، لكن الله. لا يرضيه هذا ولا يرضى بهذا، لماذا تعتدي؟ قلت له: يا رب ظلموني ومنعوني
من العبادة بغير وجه حق، وأيضاً أنا أكرههم، أكرههم عمداً. قال: الكراهية التي في قلبك وما فعلوه من هذا ليس مبرراً عند الله أن تعتدي عليهم، "ولا يجرمنّكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام". أن تعتدوا يعني هذه مسألة كبيرة جداً، نجلس ونكتبها هكذا بماء الذهب، ونستخرج منها مادة الإنصاف. هذه مادة كبيرة جداً، مادة الإنصاف.
أمرنا وربانا ربنا سبحانه وتعالى على الإنصاف. نستخرج منها مبدأ ضبط النفس، ليس كل شيء يحزننا ويجرح قلوبنا يؤثر في سلوكنا. والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب. المحسنين، وهي هي، لم يقل لك لا يحدث الغيظ في قلبه، لم يقل لك هذا، قال لك: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"، اعفُ،
والله يحب المحسنين. ولذلك تخلّق الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذه الأخلاق وعاشوها، فيُقال أن الحسن أو الحسين رضي الله تعالى عنهما وعن أبيهما كان هناك واحد... عبد يعني يساعده في الوضوء فاختلّت يده فسقط الماء كله عليه، فرأى الغضب في وجهي الحسن، فبادره وقال له: "والكاظمين الغيظ" -
ها، أترى الغضب في وجهه؟ خذ نفساً هكذا. قال: "كظمت غيظي". قال: "والعافين عن الناس". قال له: "عفوت عنك". قال: "والله يحب المحسنين". قال له: "اذهب أنت حر" وإلى اللقاء. نستودعكم الله أخيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.