سورة المائدة | حـ 865 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 865 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وكلمة "وَمَا" يعني "والذي"، فيسمونها "ما". الموصولة وما حرفان لها أكثر من ثلاثين استعمالاً في لغة العرب عدَّها السيوطي في الأشباه والنظائر
النحوية وصلت إلى ستة وثلاثين. "ما" هذه فـ"ما" بمعنى الذي هنا، وبقية الستة والثلاثين تذهب وتذكرها هناك في الأشباه والنظائر للسيوطي. إنما تعلم أن لغة العرب لا بد منها من أجل تفسير كلام الله وكلام. رسوله وباللغة يستقيم الفكر، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة، يعني فكرك لن يكون مستقيماً إلا إذا كانت لغتك مستقيمة، ولغتك لن تكون مستقيمة ولا تستطيع التعبير عن نفسك إلا إذا كان فكرك مستقيماً، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة. انظر إلى شخص يتلعثم ولا يستطيع التعبير ولا يُخرج
ما بداخله، فيكون... لغته ضعيفة وفكره مشوش. ترى شخصاً فكره ناضج فتجد على الفور أن لغته مستقيمة. والذي يجعل لغتك تستقيم هو كتاب الله والدراسة حول كتاب الله. اجعل كتاب الله هكذا محور الدراسة، فتجد أن عقلك قد استقام. قد تجد نعم أن الفكرة التي وردت ليست موجودة في كتاب الله، لكنها نتجت من أن... فكرك أصبح مستقيماً بكتاب الله، وهذا أحد عناصر قوله تعالى في وصفه "هدى للمتقين"، فهو يهدي بالعقل، بالفكر، بشفافية ومصداقية هذا الذي وهبه الله لنا. والذي أُهِلَّ
لغير الله به، يعني أُهِلَّ به لغير الله، الذبيحة هذه للصنم الفلاني، الذبيحة هذه للطاغوت الفلاني، فلا يصح ولا أُهِلَّ لغير الله. به يكون ممنوعاً أن تأكل منها، فقد حرَّمها الله سبحانه وتعالى عليك، حتى لو لم تكن من الميتة، ولم تكن من الخنزير، ولكن ذبحتها وكان الذبح فيه قطع الودجين وقطع المريء والحلقوم، إلا أنك أهللت بها لغير الله. وكان هذا تعليماً عملياً
لعموم الناس، لجاهلهم ولعالمهم، في التبرؤ من الشرك. أراد الله سبحانه وتعالى أن يخرج هذه الأمة التي اعتادت على الوثنية وعبادة الأصنام. كيف هذا؟ كيف استطاع ذلك النبي الكريم والإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم، بتوفيق الله له وبتأييده، أن يخرج هؤلاء الناس من عبادة الأوثان والأصنام التي كانت قد استقرت في قلوبهم وتصرفاتهم إلى دائرة نور التوحيد. ببساطة كهذا: هل تأكل اللحم أم لا؟ كان سيدنا عمر يقول في شأن اللحم: "والله إن لها لضراوة أشد من ضراوة الخمر".
يعني كان اللحم إذا تعوّد عليه المرء يصبح لديه إدمان مثل الخمر. وقال عندما غلا اللحم واشتكوا له: "أرخصوه بالترك"، أي دعوا اللحم لكي يرخص حتى لا يعاني الناس. ألا تبيع فترخص الأمر، إنما أرخصوه بالطريق، لكنه يعلم أنك عندما تكون معتاداً على أكل اللحم وتريد تركه فستعاني كثيراً. وكان سيدنا عمر دائماً في تربيته يحب أن يجعلك لست أسيراً للعادة، وأن تخرج من عادتك. اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، أي كن متماسكاً وضابطاً لنفسك.
لست مسترخياً هكذا لأن النعمة لا تدوم. لا تتوضأ دائماً بالمياه الساخنة. في الصباح مرة هكذا بالمياه الباردة. افترض أن الكهرباء انقطعت إذا كان السخان كهربائياً، أو الغاز نفد إذا كان به. أنت تكون مستعداً لتلقي التغيرات برضا وتسليم، وليس بتذمر. ولذلك هذه التربية التي تجعل الإنسان مستعداً دائماً تجعله قادراً. على أن يتلقى ما هنالك، ذهب يسحبهم من الوثنية بهذه الحكاية: "أنت تأكل لحماً، نعم، أي شيء ذُبح للصنم لا تأكله. لماذا؟ مع أنه طيب. هذا ذُبح مثلما تذبح
أنت بالضبط، يعني عندما قلنا باسم الصنم فهو يختلف عن قولنا باسم الله، يعني حدث شيء في ذات الذبيحة". فببساطة... تماماً، انتهى الأمر، هذا حرام. نعم، لن نفعله. جارنا المشرك ذبح ذبيحةً للصنم هبل ودعانا، لن نذهب هناك. الله يكون قد عرف كيف يكبح نفسه، فخرجوا من الوثنيين. لا يوجد، يعني سيدنا رسول الله قال: "وإن الشيطان قد استيأس أن يُعبد في أرض العرب". انتهى الأمر، وهل سيعرف أحد مرة أخرى أن يرجع إلى الوثنية بعد هذه التعاليم؟ قبل أن تصلي توضأ
علماً ونظافةً، أعطِ واحداً اثنين ثلاثة، هذه نجاسات، احذر أن تشرب الخمر. عشرة أوامر تجعلك تعرف كيف تسير الدنيا كلها بسهولة هكذا، والمرء لا يكون منتبهاً. لماذا؟ لكنك تجد المسلم النظيف هكذا يذهب ليتوضأ وهو لا يعرف لماذا يتوضأ هكذا وينظف ثيابه. لا أعرف لماذا يطهرها، وبالتالي يكره النجاسة ولا يحب الخنزير والخمر أبداً. هكذا هو ببساطة، إنها الفطرة. فسيدنا رسول الله استطاع أن يربي العالم ببساطة بشيء غير محسوب: مليار
ونصف من النساء والرجال، صغاراً وكباراً، شيوخاً وشباباً، عليهم خمس صلوات في اليوم. ما هذا! كيف انتشر الإسلام هكذا؟ إنهم يستغربون. يقول لك إننا لا نصلي إلا يوماً واحداً والباقي الكهنة هم الذين يقومون به، لكن جميعكم تصلون. نعم، كلنا نصلي. جميعكم خمس مرات في اليوم. نعم، كيف فعلتها هكذا؟ نحن من اليوم - لا، خلاص. إننا منذ ألف وأربعمائة سنة جالسون نصلي كل يوم خمس صلوات وليست هناك أمة تسجد لله هذا السجود سوى المسلمين، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين. انظر
إلى جرم من يشوه الإسلام بعد كل هذه الحلاوة والجمال، فهو مجرم كبير الذي يشوهه يا أخي. دع الحال ينطق قبل المقال، فهذه أحوال المسلمين لو خلت من الصدام ومن العنف ومن التدخل في شؤون. الآخرين لكانت كفيلة بالدعوة وحدها. الناس عندما تتأمل هكذا تجد الناس مسلمة. الله أكبر، يدخل الصلاة، وعندما يواجه العالم من الناس يقول: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" يميناً وشمالاً. ما هذه الحلاوة! وإلى لقاء آخر، نستودعكم
الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    سورة المائدة | حـ 865 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا