سورة المائدة | حـ 866 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 866 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى" النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فاسق. المنخنقة تعني المخنوقة التي ماتت بعدم وصول الهواء إلى رئتيها
فماتت. والخنق قد يكون لانحصار رقبتها في شيء أو لدق عنقها بنحو حجر أو ما شابه ذلك، أو بأنها غرقت، والغرق يسبب الاختناق، فالماء يمنع وصول الهواء إلى هذا الحيوان. المنخنقة لأنها لم تُدرك. فتُذبَح قبل مفارقة الروح لها ومفارقة الحياة فإنها تلحق بالميتة، ولكنها كان ذلك بفعل فاعل. المنخنقة بفعل فاعل.
الميتة قد يتبادر إلى ذهن السامعين أنها ماتت حتف أنفها بأجلها، عمرها انتهى وحدها، يعني من غير سبب ظاهر. أما المنخنقة فهي بفعل فاعل، وكل ما يأتي بعد ذلك هو بفعل فاعل. وهو يؤكد على أن الميت في بداية التحريم "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ" عام وليس بخاص، يعني كان من الممكن أن يفهم أحدٌ - لو لم يفصِّل الله سبحانه وتعالى ذلك التفصيل - أن الميتة إنما هي أمر خاص بمن انتهى عمرها، حتف أنفها كما يقولون، أي من غير سبب
ظاهر، ولكن فصل تفصيلاً وكلها مردها إلى حادث يخالف انتهاء العمر وحده، والموقوذة هي المضروبة، حيث أمسك شخص عصا وضرب معزة على رأسها فهشم رأسها، حطمها، فتبقى موقوذة مضروبة فماتت دون الذبح. والمتردية هي معزة فوق الجبل سقطت من الجبل فماتت، كانت فوق برج الجزيرة فسقطت مثل المنتحرين
هكذا فماتت. والنطيحة... عنزتان تتناطحان، إحداهما ضربت الأخرى فقتلتها ظلماً، لدرجة أن هذا سوف يُقام له ميزان يوم القيامة. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينهى البشر عن الظلم، حتى أن الله سبحانه وتعالى يقتص للشاة الجلحاء (التي ليس لها قرون وضعيفة) من الشاة القرناء (التي لها قرون). لها قرون قوية ومعها سلاح. الشاة التي لديها قرون ضربت الشاة التي بلا قرون فقتلتها. فيقول
لك إن الله سيقتص من ذات القرون لصالح التي بلا قرون. حسناً، وما الحكمة في ذلك؟ إنها تربية لنا نحن. يعني الذين لديهم الجيوش والأسلحة النووية وغير النووية، لا تحركوا رؤوسكم لكي تبيدوا الشعوب أي عناوين كانت، فتضربون العراق وتضربون أفغانستان وتضربون في اليمين والشمال، اتقوا الله، إن ربنا لن يترك الشاة القرناء، فما بالكم بما تفعلونه في البشر، والدماء التي سالت تروي الأرض، فكل هذه مظالم يوم القيامة. ربنا سبحانه وتعالى ينبهنا إليها
لنلتفت إليها ونتذكرها وتتداعى في أفكارنا عندما يرى أنه... قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْنَا النَّطِيحَةُ، أَيْ الَّتِي مَاتَتْ مِنَ النَّطْحِ. وَكَذَلِكَ مَا أَكَلَهُ السَّبُعُ. وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِالأَسَدِ حِينَمَا يَأْكُلُ الشَّاةَ أَوِ الثَّوْرَ. كَمَا حَدَثَ يَوْمَ أَكَلَ الثَّوْرَ الأَبْيَضَ، فَالثَّوْرُ الأَسْوَدُ شَمِتَ فِي أَخِيهِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ. فَالأَسَدُ أَكَلَ الأَبْيَضَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مُوَاجَهَةَ الاثْنَيْنِ مَعًا، فَدَبَّرَ بَيْنَهُمَا مَكِيدَةً وَجَعَلَهُمَا يَكْرَهَانِ بَعْضَهُمَا، ثُمَّ وافترض أن الأسود سيأكله، فالأسود قال: "إنني
استحق ما سيحدث لي اليوم، لأنني لم أقف مع أخي الأبيض رحمه الله". وأخذ يلوم نفسه ويتحسر على الحجر الذي في بطن الأسد. لو كنا وقفنا معاً لما استطاع أن يغلبنا، ولكن عندما افترقنا أكل الثور الأبيض ولم... أكل السبع إلا ما ذكيتم في كل حالة عندما يأتي استثناء، فعندما يقع على كل ما سبق تكون المتردية والنطيحة قبلها، والموقوذة قبلها، والمنخنقة قبل أن تختنق وقبل أن تموت وقبل أن تخرج روحها، إذا لحقتها وذبحتها فيكون ذلك جيداً، وتصبح حلالاً،
ويكون الحادث الذي كان سيؤدي إلى موتها لو إلا ما ذكيتم، لو وجدت غزالة أكل منها الأسد رجليها وجرى، قم بذبحها وهي ما زالت حية لكي أستطيع أكلها. وما ذُبح على النُّصب، أي عند الأصنام، وأن تستقسموا بالأزلام، فإن الاستقسام بالأزلام هذا حرام، لأنه من حلف فليحلف بالله أو ليصمت. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة السلام عليكم