سورة المائدة | حـ 869 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 869 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، يقول ربنا سبحانه وتعالى هذه الآية، أو هي جزء من آية صارت مثلاً وعنواناً على الإسلام والمسلمين، يقول ربنا: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم". الإسلام دينًا، وذكرنا أنَّ يهوديًا قد استمع إلى الآية أمام سيدنا عمر، فقال: "والله لو نزلت هذه فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا". فقال عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: "والله
إني لأعلم متى أُنزلت، وقد أُنزلت في يوم عيد، فقد أُنزلت في يوم الجمعة، والجمعة يتخذها المسلمون عيدًا فيذهبون إلى". المساجد ليستمعوا الموعظة من الخطيب حتى إن الله سبحانه وتعالى قد صيّر صلاة الظهر وهي أربع ركعات صيرها ركعتين من أجل أن هذا اليوم هو يوم عيد وفرض على المسلمين السعي إلى المسجد فإذا سمعوا الأذان سعوا إلى ذكر الله وتركوا البيع وإذا انقضت الصلاة انتشروا في الأرض على ما كان عليه الحال قبل الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا
أن الله سبحانه وتعالى جعل يوم الجمعة عيداً في الملأ الأعلى يعني في الملائكة الكرام وهذه الآية يقول فيها ربنا أكملت لكم دينكم وإكمال الدين يقتضي أنه لا حجة بعد كتاب الله وبعد سنة رسول الله صلى الله عليه. وسلم وأنه ما فرط في الكتاب من شيء وأنه قد تركنا على الحنيفية السمحة، ويقول ربنا سبحانه وتعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء"، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله
ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله، يقربكم إلى الجنة، يبعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به، وما تركت". شيئاً يبعدكم عن الله يبعدكم عن الجنة ويقربكم إلى النار إلا نهيتكم عنه، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عن شيء فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم". إذ تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال وصدق فيما قال على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ. عنها إلا هالك. أكمل الله الدين فلسنا في حاجة لجديد في الدين، بل تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوضح لنا معالم الطريق
إلى الله، ولم يترك شيئًا إلا وقد علمنا منهجه وكيفيته، وما الذي نفعل وما الذي ندع. "اليوم أكملت لكم دينكم"، هذا الدين خاطب الله به. الأرض جميعا في كل الأزمان والعصور إذا فقد خاطب أقواما تختلف عاداتهم وثقافاتهم تختلف مصالحهم تختلف حياتهم وطرائق هذه الحياة وبالرغم من ذلك فإن الله قد خاطب أولئك جميعا فلا بد أنه قد علمنا المنهج علمنا كيف نفهم علمنا كيف نتعامل في
طريق الحياة إذا ما أردنا أن نسلك طريق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحصل الأمر في زمن دون زمن ولا في قوم دون قوم ولا في عادات وتقاليد ولا في لغة ولا في جنس وقوم دون سائر الأرض إنما قال الله سبحانه وتعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وكان النبي يُرسل إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس كافة". فما الذي أتم الله به النعمة وأكمل به الدين هو تعليم رسول الله صلى الله
عليه وسلم لنا كيف نفكر. اختل هذا الأمر بين أيدي الناس، فبعض الناس يريد أن يعيش كما كان. يعيش النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم في ظاهره وباطنه وملبسه ومأكله ومشربه بل وفي أدوات حياته ولذلك فلم يحرر معنى البدعة التي هي سيئة ولم يفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتعامل في طريق الله فضيق واسعاً وخالف رسول الله صلى الله عليه. وسلم في منهجه وخرج عن تعاليمه وضيق الإسلام واختزله في مراده هو، إذا أراد أن يعيش ولا يستعمل معجون
الأسنان ولا يضع الإسفلت في الطرقات ولا يركب السيارة ولا يستعمل الميكروفون ولا الهاتف المحمول ولا غير ذلك، أي أنه يريد أن يسحب الماضي على الحاضر، فقد أخطأ سنة رسول الله ولم يفهم منها شيء، ولقد كان، فكلما اخترع الناس اختراعاً قام هؤلاء الذين لم يفهموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرموه، ورأينا من يحرم الساعات في زمن ما معتقدين أن المنبه سحر، ثم حُرِّم الراديو والتلفزيون وحُرِّم المكبر الصوتي (الميكروفون) وحُرِّم الإسفلت، وقالوا هذا طريق ما سار فيه صلى الله عليه وسلم ثم
عندما أعجزهم ذلك فركبوا السيارات والطائرات ذهبوا ليقولوا إن البدعة تختص بالدعاء وبالذكر وبالعبادة فاضطر العلماء أن ينبهوهم وأن يعلموهم أن الإكثار من العبادة ليس ببدعة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا المنهج ولذلك هيا بنا نضرب الأمثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسّع لنا في الذكر والدعاء، فمن ضيّق في الذكر والدعاء وقصر الذكر والدعاء على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخطأ منهجه وضيّق واسعاً واختزل الإسلام في مراده
هو. كيف هذا؟ رسول الله يصلي ويقول وهو يرفع من الركوع: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، رجلٌ من الصحابة يحدث له حالٌ مع الله فيقول: "حمداً كثيراً طيباً طاهراً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء يا رب العالمين". ما هذه الزيادة؟ هذه الزيادة يقولها من غير إذن النبي، هذه الزيادة يقولها لأن النبي توقف عند "سمع الله لمن حمد". ربنا ولك الحمد، فقد زاد هؤلاء
الذين يضيّقون الواسع، يقولون هذه تصبح بدعة لأنه فعلها من غير إذن النبي. ولكن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى بضعاً وثلاثين ملكاً يتسابقون إليها أيهم يصعد بها إلى السماء قبل إقرار النبي. إذاً هو يعلمنا، هل الملائكة فاهمة أم غير فاهمة؟ إنهم عند رب العالمين، حسناً، كان عليهم أن ينتظروا حتى يقرأها النبي. كيف قرأها؟ إنه يريد أن يعلمنا أن الذكرى على الساعة، وهم يريدون أن يعلمونا أن هذا جبريل جاءكم ليعلمكم أمر دينكم. أمر دينكم: سيدنا جبريل نزل ليعلمهم، فالملائكة تنزل لتعلمنا. فالملائكة خذوا منهم، وماذا؟ هات أنا أصعد بها.
لا، حسنة أمام حسنة فلا مانع أن نفعلها بعد رسول الله ونزيد على ما فعله وورد عنه صلى الله عليه وسلم، وبذلك أكمل الله الدين. سيدنا رسول الله رأى في المنام أن بلالًا كان يلبس نعلين، وكانت النعلان الخاصتان بسيدنا بلال على قدر حالهما هكذا، فكانتا تُصدران صوتًا وهو يمشي. قال: "يا بلال، سمعت صوت نعليك قبلي في الجنة". سيدنا رسول الله رأى أنه دخل الجنة فسمع أحداً قبله، فنظر فوجد بلالاً. كان ذلك في المنام. فبماذا تدخل قبل النبي؟ هذه صعبة! لا بد أنه شيء ما، يعني الرؤيا تُؤَوَّل على أنه لا بد
أنه يفعل شيئاً يرضى الله عنه. والله يا رسول الله، ما أعرف، لا أعلم إلا أنني كلما توضأت صليت ركعتين، تذكرت فعلها من غير إذن رسول الله ومن غير علمه، فاستوجب دخول الجنة. إذاً، إكمال الدين إنما هو برسم المنهج ومعرفة المفتاح، وليس هو الوقوف عند عصر النبي ولا في مكانه ولا زمانه صلى الله عليه. المصطفى صلى الله عليه وسلم وبهذا تتحد قلوب الأمة وبغير ذلك تتفرق، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.