سورة المائدة | حـ 875 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 875 | 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم". فمن (ومن) في لغة العرب للعموم أي شخص كان، فدخل فيها القوي. ودخل فيها بالتالي الضعيف، ودخل فيها الرجال، ودخلت فيها النساء، ودخل فيها الكبار، ودخل فيها الصغار، ودخل فيها الحكام، ودخل فيها المحكومون، فأصبحت
قاعدة عامة من قواعد الشريعة دالة على يسر هذه الشريعة. ويسر الشريعة يؤدي إلى مرونتها عبر القرون، ويسر الشريعة يجعلها صالحة لكل زمان ومكان وفي كل حال. لجميع الناس، وهذا يتسق مع الإيمان بختم النبوة وأن الدين الخاتم هو دين الإسلام "ورضيت لكم الإسلام دينًا". فمن اضطر في مخمصة، يعني لأن الإسلام هو الذي ارتضاه الله في صيغته المحمدية الخاتمية التي جعلها الله سبحانه وتعالى ختامًا للرسل وختامًا للنبوة وختامًا للوحي
وختامًا للتشريع، فلا بد من قاعدة تجعل هذه الشريعة مرنة. فمن المثير أنه في موضوع ما، تقع تاء الافتعال بعد حروف الإطباق الأربعة: الضاد والصاد والطاء والظاء. هذه الحروف يسمونها حروف الإطباق، لأن لساننا يطبق على سقف
الحلق. اضغط، هل تشعر؟ هناك شدة هكذا، قوة إطباق تتحول فيها التاء في اللغة العربية إلى والطاء كما تقول أنها هذه الشدة الخاصة بهذه التاء، فيها شيء رقيق، والطاء فيها شيء قوي. فعندما جاءت التاء بعد شيء من الأربعة - أي الأربعة الإطباق وهي الصاد والضاد والطاء والظاء - انقلبت إلى الشدة الخاصة بها وهي الطاء، يعني كان أصل هذه الكلمة ماذا؟ اضطر ولكن صعب وأنت
أصبح كله ذاهب في اتجاه النطق بالضاد وبعد ذلك تسحب منها فجأة وتحضر التاء ترى أنت لكي تحضر الحروف المرققة ماذا تفعل؟ تجعل فمك هذا بجانب أذنك، تجعلهم بجانب أذنك هكذا مثل الابتسامة، ها تبتسم هكذا، فعندما تبتسم يخرج الحرف مرققاً، ثم نريد أن نخرج الميم ماذا ثمّ لكن تُنطق على الفور اجعل فمك بجانب أذنك، ها اجعل فمك بجانب أذنك، قم بإخراج الحرف مرققاً وحده هكذا ثمّ على الفور، طيب والتاء لأنك أنت ها سأتقدم
للأمام وأعود للخلف، صعب وهو يتحرك هكذا للأمام ها سنرجعه هكذا إلى الخلف مرة واحدة، والعرب نزيهها. في كلامها قام فقال لك: "لا أمام، قدام، دعها مع التي أمامها أيضاً. الأضداد، بدلاً من أن ترجع وتأتي بالتاء اضطد، دعها طاء معها. هكذا اقلب التاء ماذا؟ ضادها طاء: اضطر. هذه الطاء إنها بجانب الضاد: اضطر. نعم، عندما تأتي لتزنها قم بتحويلها إلى التاء التي هي الأصلية فتقول افتعل." لا. ها. طيب افترض أن التاء هذه جاءت في غير الحروف الأربعة، ألا تظل التاء كما هي؟ فتقول: احتكر من
الاحتكار، احتقر من الاحتقار. لماذا؟ لأن التاء جاءت بعد الحاء. "احتكر" و"احتقر" أيضاً تبقى التاء كما هي. "افتعل"، "اقتتل"، فيه قاف وحاء، ما هي ليست من الأربعة. تفضل كما هي. حسناً، فما هذا الشرط؟ يعني ما معنى الاضطرار؟ عرَّفه العلماء بأنه: ما إذا لم يتناوله الإنسان هلك أو قارب على الهلاك. إما هلك، يعني سيموت. هذا هلك. يعني ماذا؟ مات. أو قارب على الهلاك. هذا هو تعريف الاضطرار. بعض الناس يفهمون الاضطرار
يعني... ماذا؟ أخجلت؟ أيعتبر هذا اضطراراً؟ أو مثلاً يعني ضيّق عليّ قليلاً، أيعتبر هذا اضطراراً؟ هذا لا يصح. فالاضطرار هو ما إذا لم يتناوله الإنسان هلك. حسناً، ألم تهلك بعد؟ إذاً انتهى الأمر، ضاعت الدنيا أو قاربت على الهلاك. يعني لو قيل لك: ما لم يتناوله الإنسان هلك، فعليك أن تنتظر. عندما تهلك ثم تتصرف، أليس من الأفضل أن تموت؟ أو لكي يجعلها صحيحة يقول ماذا؟ أو قارب على الهلاك، أي اختنق تماماً وها هو سيموت، فيأتي مباشرةً ويتناول هذا الشيء الممنوع. حسناً، هذا الشيء ممنوع وأنا وقعت في الاضطرار فبدأت
أتناوله، فهل تناولي له حلال أم حرام؟ هو أصلاً حرام لكن الآن أصبح حلاً، يعني قال: لا، هو أيضاً حرام لكن يعني لن تُحاسب عليه، أنت لن تُحاسب عليه. قال: لن تُحاسب عليه عندما تكون نيتك صافية لله، عندما تكون ترتكب أخف الضررين به، عندما تكون قدّرته بقدره، فالضرورة تُقدر بقدرها. فتوافرت الشروط هذه فيك واحد عامله. وهو متضايقٌ وهو يعلم
أن هذا حرامٌ أصلاً، لكن سيقترب منه بقدر الحاجة فقط. إذًا، إذا كان هناك إخلاصٌ للنية، وبقدر الضرورة، فأنا لا أتوسع فيه ولا أجعله فرصة أستغلها ولا أتخذه حجة. كل ذلك من أين؟ من خوفك من الله. لابد أن تكون خائفًا من ربنا. كل هذا أيضاً من أين؟ من حبك لله. فالله عندما حرم عليك الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله والمنخنقة والموقوذة والمتردية إلى آخر هذه المحرمات، إنما حرَّمها لمصلحتك. فأنت من حبك لله تبتعد عن هذا. ماذا سيحدث إذن
وأنت لا تريد الظلم ولست مسروراً منه؟ وغير قاصد له وغير فرحان به غير متجانف فإن الله غفور رحيم، فإن ربنا سيعفو عنك ويسامحك وكأنك فعلت شيئًا مباحًا، هو حرام لكن ربنا يعلم نيتك ومطلع على ما في قلبك. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.