سورة المائدة | حـ 876 | 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 876 | 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله". عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب. ربنا في هذه الآية يجيب عن سؤال
سأله الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلة السؤال، فأقلوا منه جداً، حتى قال ابن عباس: ما سألوه صلى الله عليه وسلم سوى ثلاثة عشر سؤالاً ثلاثة. عشرة أسئلة على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، سألوا ثلاثة عشر سؤالاً. انتبه، كلها مذكورة في القرآن: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس"، "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"،
"يسألونك عن المحيض قل هو أذى"، "يسألونك أحل لهم لدينا هنا ثلاثة عشر سؤالاً، ثلاثة عشر سؤالاً في كم سنة؟ في ثلاث وعشرين سنة. اليوم نحن في دار الإفتاء نجيب على ثلاثة آلاف سؤال في اليوم، ثلاثة آلاف سؤال في اليوم. فلا حول ولا قوة إلا بالله. سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: "اتركوني ما تركتكم فإنما" أهلك الذين من قبلكم كثرة تردادهم على أنبيائهم بالأسئلة. تتساءلون لماذا الآن العقل المسلم
يريد أن يسأل في كل شيء، وعندما نقول له: "لا، هذه ليست سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم". سيدنا رسول الله يقول لك: "اسكت"، فيقول لك: "يعني سأخدع ربنا؟" لا، هذا هو ما أراد الله أن سيعلمك إياه أن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. بالتدريج دائماً نقول مرة والثانية والعاشرة نقول لا، إنني سمعت هذا، إنني ذو خبرة، إنني فعلت. وعندما تكثر الأسئلة تحدث البلبلة عند الناس،
فيمل الإنسان وينسى فلا يطبق ما علم، فإن فعل ذلك باء. بغضبٍ من الله تكون هذه حالةٌ فوق الوصف يعني لا نسأل. نعم، اعمل بما يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تُبْدَ لكم عفا الله عنها. وبعد ذلك يقول في الآية: قد سألها قومٌ من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين. توسعنا في هذا المعنى مرات وذكرنا لماذا سمى الله سورة البقرة
بهذا الاسم، ولماذا لم يسمها آدم أو قصة الخلق أو سيدنا موسى أو بني إسرائيل أو نحو ذلك. الأحكام الشرعية، أحكام المجتمع، أحكام سورة الطلاق، سورة الزواج - فهي ليست مليئة بذلك - سورة الصيام، سورة رمضان مثلاً، بل من أجل أن تلتفت إلى قصة البقرة التي فيها آية التفتيش بالسؤال حتى ضلوا و أضلوا فإن ديننا وهو دين العلم ودين العمل يبني منهجاً للتعامل معه مبناه الرحمة واليسر وقلة السؤال، وكلما علمت
شيئاً وعملت به أورثك الله علم ما لم تعلم. من يقول هكذا؟ سيدنا عمر بن كان عبد العزيز من أولياء الله، وكان من المجتهدين العظام، وكان حفيد سيدنا عمر من جهة الأم. كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يُسمى بالخليفة الخامس الراشد، يعني وضعوه في مصاف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، جعلوه الخامس. ماذا يقول هذا الولي التقي المجتهد العالم صاحب النسب؟ المبارك من سيدنا عمر يقول ماذا يقول: من عمل بما علم، فسيتعلم، ويكون قد عمل بمقدار العلم الذي
يملكه، وبذلك يورثه الله، والوراثة فيها تعليم وفيها إعانة، فالله يعينك. يورثه الله علم ما لم يعلم. واتقوا الله ويعلمكم الله، والتقوى تأتي بكثرة المعرفة أو بكثرة العمل. بكثرة العمل مصيبة سوداء وقعنا فيها وهي تنتشر ولا يستجيب للوعظ أحد، ونحن نقول: يا جماعة قللوا من السؤال واتركونا ما تركناكم. وعلى الجانب الآخر، يقوم أولئك - غفر الله لهم وهداهم إليه سبيلاً - من غير
تخصص ولا علم يملؤون أسماع الناس ليلاً نهاراً بالأحكام الشرعية ويطلبون منهم تطبيقها أعلم إذا كان هذا المتكلم يطبقها أم لا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. سيدنا رسول الله هديه أجمل الهدي، وسيدنا رسول الله موعظته أجمل الموعظة. ولذلك لو وقفنا كثيراً عنده (يسألونك)، نرى الهدي الذي لسيدنا رسول الله، أي صحبته، هو هذا الهدي العملي الذي يجب علينا أن نتخذه. ولذلك الصحابة... تقول: كنا لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حاجة في القلب اسمها شهوة المعرفة التي قال لنا أن نكتمها قليلاً، أي أن نكتمها قليلاً ونسيطر عليها بعض الشيء. فكنا نحب الأعرابي العاقل أن يأتي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنستمع ونتعلم. انظر كيف أنهم كانوا الأعرابي لا يعرف هذه الحكاية فيأتي ليسأل، فهم يُسرّون كثيراً ويسمعون سيدنا جبريل عندما نزل إلى رسول الله جاء يعلمهم أمر دينهم، فجاء وسأل رسول الله الأسئلة التي تعرفونها: ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ ما الساعة؟ إلى آخره. ولذلك يسألونك، يجب علينا أن نقف عندها وأن نتدبر حالها ونعيش.
ما كان يعيشه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته حيث بنى أقوى جيل عرفته البشرية وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته