سورة المائدة | حـ 878 | 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم يسألونك ماذا أحل له قل وكلمة قل فعل أمر الله به نبيه فدل على أمور منها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو واسطة بين الحق والخلق وأنه ليس له من الأمر شيء
وأنه ناقل عن ربه حكمة وأنه صلى الله عليه وسلم ما عليه إلا البلاغ وأنه لا يستطيع أن يتصرف في القرآن إلا بما قد أنزل عليه ولذلك ظهرت كلمة قل ولو أنه كان مِن عندِ نفسهِ لقالَ هو اللهُ أحدٌ اللهُ الصمدُ، وإنما ربُّنا أنزلَ عليهِ "قُلْ" ليُثبتَ عُلوَّ شأنِ الإلهِ، وليُثبتَ أنَّ هذا الكتابَ مِن عندهِ سبحانَهُ
وتعالى، وليُثبتَ نبوَّةَ نبيِّهِ ورسالتَهُ، وليُثبتَ أمانتَهُ على وحيِهِ. سبحانَ ربي، فما نبيٌّ بمُتَّهمٍ، النبيُّ ليسَ بمُتَّهمٍ على ما أوحى اللهُ إليهِ بهِ. "قُلْ" تكرَّرَتْ. في القرآن أكثر من خمسمائة مرة كلمة "قل" هكذا، ربما تختص
بسيدنا الرسول أكثر من ثلاثمائة مرة منها من الخمسمائة واثنتين، في بداية السور مثل: "قل"، "قل أوحي إلي"، "قل يا أيها الكافرون"، "قل هو الله أحد"، "قل أعوذ برب الفلق"، "قل أعوذ برب الناس"، خمس مرات، والعلماء... يُسمون هذه السور الخمس التي بدأت بـ "قل" القواقل. العرب تشتق من المنسوب إليه لفظةً سموها القواقل، كما أسموا ما بدأ بحاميم الحواميم.
أخذوها من كلمة حواميم. خمسة القواقل، كم؟ خمسة. بالرغم من أنه قول كثير في القرآن، لكن هذه السور بالذات بدأت في بدايتها بهذا الإعلام الرباني أن الكتاب. من عنده سبحانه وتعالى وبهذا الإعلان الرباني أن هذا النبي ليس له من الأمر شيء إلا التبليغ، وبهذا الإعلان الرباني أن هذا النبي مؤتمن وهو أمين صادق أمين صلى الله عليه وسلم، وهو يمتثل فيقول "قل"، ونقول
من بعده نحن تبليغاً للرسالة "بلغوا عني ولو آية" وحملاً لها، قل نحن. أيضاً سنقول من بعد ذلك مسموح لنا أن نقول للناس "قل هو الله أحد"، نحن نبلغ أيضاً عن ربنا. فكلمة "قل" فعل أمر موجه بالأساس للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه موجه أيضاً لكل الأمة، فتصبح كل الأمة، كل واحد فيها، يقول: ربنا يخاطبه ويقول له "قل"، وأنت الآن بلّغ للمسلمين ولغير المسلمين إنها الإجابة وإنها الدعوة: "أُحِلَّ لكم الطيبات".
فعندما تخطب يوم الجمعة، وعندما تعظ في الدرس، وعندما تبين الإسلام للناس، قم وقل لهم ماذا؟ "أُحِلَّ لكم الطيبات" يا عباد الله. لماذا؟ لأنك تمتثل لأمر الله تعالى في قوله: "قُل أُمِرتُ"، وبأمره إنك تقول هكذا: "أُحِلَّ لكم الطيبات"، فأنت... كذلك قل للناس هذا الخبر: أُحِلَّ لكم أيها الناس الطيبات، أُحِلَّ لكم أيها المؤمنون الطيبات. فكلمة "قل" في دلالاتها عجيبة عندما تتأمل فيها هكذا وتتداعى أفكارك فيها تجدها شيئاً من العجائب والغرائب، لأنها تشمل كل هذه المعاني. تشمل علاقة
بينك وبين النبي، وبين النبي وبين ربه، وبينك وبين ربك. وبينك وبين هذا الدين وبينك وبين مصادره قل، قل: هذا شيء عجيب مليء بالعلوم. قل: أُحِلَّ لكم أيضاً بالمبني للمجهول كما ذكرنا مرات، يعني أحلَّ الله لكم الطيبات. السؤال كان عاماً مجملاً: ماذا أُحِلَّ له؟ والجواب أيضاً جاء عاماً مجملاً: قل
أُحِلَّ لكم الطيبات. ماذا أُحِلَّ لهم؟ قل أُحِلَّ. لكم الطيبات، والطيب ضد الخبيث، والخبيث قد يكون خبثه راجعاً لنجاسته. حرّم الله علينا أن نخالط النجاسات، بنى الله دينه على النظافة والطهارة، أمرنا بالوضوء، أمرنا بالاغتسال، أمرنا بطهارة الثياب، "وثيابك فطهر"، أمرنا بطهارة المكان، "طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"، أمرنا بطهارة القلوب، أمرنا بأننا
نطهر أحواشنا وبيوتنا حتى. أخرج الترمذي أن الله نظيف يحب النظافة، أمرنا بأن لا نتلطخ بالنجاسة، فحرم علينا الخمر، وحرم علينا أن لا نتنزه من البول، وحرم علينا النجاسات، سائر النجاسات. إذ إن الطهارة قد تكون سبباً في تحريم الله سبحانه وتعالى للخبيث، وقد يكون الخبيث حرمه الله لذهاب العقل، وقد يكون الخبيث حرمه وتعالى للهلاك. السم قد يكون خبيثاً حرمه الله سبحانه وتعالى للاستقذار، وإن كانت النفس تأبى هذا الشيء كاللعاب فإنه مستقذر حتى لو كان طاهراً. حرم الله علينا
هذه الخمسة والطيبات ما سواها، ولذلك أحل الله لنا الطيبات، والحمد لله رب العالمين. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله