سورة المائدة | حـ 881 | 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله". عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب. قوله تعالى "وما علمتم من الجوارح" فيه إرشاد لما أحل الله لنا بالإضافة إلى طريقة الذبح الشرعية بالتذكية، والعقر الشرعي للحيوان غير
المقدور عليه كالإبل والجاموس الوحشي والثيران وأمثال ما لا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه وأن يذبحه. ذكرنا من قبل حقيقة الذبح. الشرعي وهو أن نذبح من الحيوان حتى يكون ذبحاً لائقاً بالرحمة الودجين والحلقوم والمريء منه ولو بعض ذلك من هذه الأربعة حتى ينهمر الدم. ولكن في حالة الإبل نأتي بالرمح ونضعه في ترقوتها وهذا اسمه النحر، ومن هذا المكان ينفجر الدم وترتاح
الذبيحة ويكون حلال الأكل ولا يكون ميتة. أيضاً يُضاف إلى هذا قضية الصيد، والصيد قد يكون بآلة كالسهم والبندق ومثل هذه الأشياء، وقد يكون بحيوانات مدربة على الصيد ومنها الكلاب، بل أشهرها هو الكلاب، ومنها الطيور الجوارح، والطيور الجوارح مثل الشاهين والصقر
والنسر، وهذه الطيور غاية في القوة وتستطيع أن تنقض على فريستها وأن تأخذها وتصيدها وتشل. حركتها وبذلك يكون هناك نوعان من الصيد: صيد بالآلة وصيد بالجوارح. والجوارح يدخل فيها الكلاب ويدخل فيها الطيور ونحو ذلك. الكلاب والطيور لها تعليم، يعني لو أحضرنا كلباً غير معلَّم، لم نعلّمه وأرسلناه وراء الفريسة أو
الصيد ثم ذهبنا إليه، سنجده قد أكل منها، لأنه ليس منتبهاً لي. الذي ذاهب إليها وأنا الذي آكل منها، يعني شيء منطقي. الشاهين كذلك، النسر كذلك، الصقر كذلك، نذهب فنجده يأكل من الفريسة، وبهذا الشكل تصبح ميتة ولا يجوز الأكل منها. لكن الإنسان علّمه الله أن يعلم هذه الحيوانات أنها تذهب لهذه الفريسة فتشل حركتها فقط دون أن تقترب منها أو تقتلها. وإنما هي للسيطرة عليها والحصول عليها من الأدغال وما إلى ذلك. رميت سهماً فأصاب غزالة أو
قرنباً برياً أو شيئاً مماثلاً من مأكول اللحم، فيذهب هو ليحضرها لي ويجدها سليمة. الكلب لم يقترب منها، أو الشهيد أو الصقر لم يقترب منها. لماذا؟ لأنني علّمته، علّمته أن نفعل هكذا أوصله. وعاقِبه إذا مدَّ يده عليها، وامنحه مكافأة إذا تركها سليمة. وسبحان الله، الكلب يطيع ويتعلم، قابل للتعليم. وإذا كان الكلب قادراً على التعليم، فكيف بالإنسان الذي نكرر له الكلام مرة واثنتين وثلاثة وأربعة دون فائدة؟ يُقال: "علِّم في المُتبلِّم طوال الليل، يُصبح ناسياً"، لا فائدة. علامةٌ،
لكننا نريد أن نُعلِّم من يتعلم، ويجب أن تكون هناك قابلية للتعليم. فربُّنا ضرب لنا مثلاً، وما علَّمتم علَّمتم من العلم، من التدريب، من التعليم. فالتعليم يشمل أيضاً حتى تعليم الحيوانات. هناك شيء يُسمَّى السيرك، يُعلِّمون فيه الأسد أن يخترق النار أو يقفز من مكان إلى مكان، وفي كل ذلك لا يُؤذي غالباً. ها غالباً مدربها، بل يكون في علاقة ود. في بعض الأحوال الكلب نفسه يتضايق أو يتجمل وينسى التعليم أو يصبح كأنه لم يتعلم. أنا علمته وأحضرته
فوجدته يُحضرها سليمة، يُحضرها سليمة، يُحضرها سليمة. ومعي منذ سنوات وهو يُحضر لي الشيء السليم. جاءت مرة من المرات خرج فيها عن وعيه فأكل منها، فيصبح... أيضاً كأنه لم يتعلم فلا نأكل منها، إذ قال تعالى: "وما علَّمتم من الجوارح مكلبين" أي منسوب إلى الكلب لأن الكلب هو أشهر أداة لهذه المسألة، "تعلمونهن مما علمكم الله"، لأن هذا أمر غريب أن ندرب الحيوان البهيم فإذا به يتدرب وتصبح عنده ملكات نستغلها في الصيد. فإذا نسيها أو فقدها أو خرج عن إطارها مثل الأسد الذي يضرب مدربه، فالأسد يحزن بعدما
رأى مدربه ميتاً، لماذا؟ لأنه شيء ما ظهر في ذهنه، فعندما ضرب مدربه امتنع عن الأكل حتى مات. نعم، فهذا الأسد متربٍ ومتعلم ومتدرب، لكنه غاب عن وعيه وهو... يضرب مدربه وكان متضايقاً، لا أعرف أثر هذه القصة. فَكُلوا مما أمسكن عليكم، فتصبح الأشياء التي تم الإمساك بها لم تمت، وأصبحت ما دام قد خرج منها دم من أي مكان في جسمها فهو حلال. السهم يخرج منه دم منهمر هكذا قليلاً، فهو حلال، لكن هذا من جانبها وليس منا. كما قلنا، مِن رقبتها، حسناً، حلال لأنه صيد فيصبح الصيد حلالاً ما دام
قد أصابها السهم فنزل منها ولو قليل من الدم. طيب، والبندقية إذا كان الرصاص من النوع الذي يُنزل دماً -لأنه أنواع- فنأكل منه، وإذا لم يكن كذلك فنذبحه قبل أن تخرج روحه منه. حسناً، هو... يستقر داخل الحمامة أو اليمامة أو العصفورة الصغيرة حبات الرصاص الصغيرة ولا يخرج دم، ولم أستطع الوصول إليها لأذبحها. إذا ماتت فلا تصلح للأكل، لذا يجب أن أذهب إليها قبل أن تفارق الحياة. وعادةً ما تكون هناك فرصة للذهاب إليها، إلا إذا تأخرت أو لم أرغب في
الذهاب. وأذكر اسم الله علينا. نقول بسم الله ونحن نأكل واتقوا الله، وكلمة واذكروا اسم الله عليه أيضاً وردت في حديث عائشة أننا إذا جهلنا حال اللحم الذي أمامنا نقول بسم الله. قالت: يا رسول الله، نأتي إلى أقوام ولا نعرف إذا كانت قد ذبحت أو لم تذبح. قال: سمِّ الله وكُل، يبقى عندما. نتحقق إذا ما كانت هذه الذبيحة ذُبحت شرعاً أو لم تُذبح، نسمي الله ونأكل، واتقوا الله. أما إذا تأكدنا من أنها لم تُذبح شرعاً فلا تنفع تسمية الله عليها. إنما تسمية الله تكون عندما نشك. إن الله سريع الحساب، فاللهم الطف
بنا فيما جرت به المقادير. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته