سورة المائدة | حـ 882 | 5 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم". ربنا أحل لنا الطيبات وجعل هذا اليوم الذي أكمل فيه لنا. الدين وهذه الآيات من أواخر ما نزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل من علامات هذا الدين قضية
الأكل والشرب وهي علامة إلى الآن. فعندما دخلت المذاهب الشيوعية في بلاد المسلمين لم يميز المسلمين عن غيرهم إلا الامتناع عن الخمر والخنزير، وترى المسلم مسكيناً تحت الحكم الشيوعي. بعيدًا عن العلماء، تراه لا يُحسن الصلاة ولا يعرف الصوم، لكنه لا يأكل الخمر والخنزير أبدًا. فحتى أصبح هذا علامةً وهو لا يعرف من الدين شيئًا، لكن هويته أنه لا يأكل الخنزير ولا يشرب الخمر. فهذه حكمة وعلامة تحافظ على المسلمين في أحلك الأوقات التي يمرون
بها. نظام شمولي ملحد وقاسٍ يحكم بالحديد والنار، وتمر عليه عشرات السنين، وقد تمر مئات، ويحافظ المسلمون على هويتهم بأسمائهم مثلاً، وبعبادتهم التي حُرموا منها، وبامتناعهم عن الخمر وعن الخنزير. إذاً فقضية الطعام قضية مهمة جداً، وهي علامة من علامات هوية الإنسان في دينه، قضية لا يُستهان بها ولا يُقلل من شأنها وتكون كأي
قضية أخرى، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه العلامة مرتبطة بإكمال الدين، فقال: "اليوم..." هناك يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، أي آية أفضل من ذلك؟ وهنا يقول: "اليوم أحل لكم..."، انظر أن كلمة "اليوم" هذه مهمة لأنها هي... التي تعطينا معنى أن هذا الذي أحل لنا صار علامةً علينا وعلى ديننا، وتحريم الخمر والخنزير
والميتة فُرض به المسلمون على هذه الصفة. ففي الديانة اليهودية أبيحت لهم الخمر، وفي الديانة المسيحية أبيح الخمر والخنزير، في حين أن الخنزير حرام عند اليهود لا يأكلونه ولا يأكلون الميتة كالمسلمين، وفي الديانة حرمت الشريعة الإسلامية الخمر وحرمت الخنزير، فالخنزير حرام عند اليهود والمسلمين، ولكن الخمر حرام عند المسلمين فقط. هل انتبهت؟
فهذا يدل أيضاً على أنه علامة على هذا الدين. "اليوم أُحِلَّ لكم الطيبات"، هذا الدين جاء بنسق مفتوح، جاء يتجاوز الزمان والمكان، جاء ليبين أن الأمة الإسلامية ضاربة في جذور الزمان. والتاريخ من لدن آدم إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وهي أمة تشمل كل الأرض، ولذلك فأمة النبي الأنبياء ومن اتبعهم من لدن آدم إليه وكل الأرض إلى يوم الدين،
ولكن منهم أمة دعوة ومنهم أمة إجابة، فأمة الدعوة الستة مليار الذين موجودون الآن كل هؤلاء من... إنها دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وإنها الإجابة ممن آمن به وصدقه. وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. هكذا رُسم الحال بينك وبين العالمين. بلغوا عني ولو آية. لا نحتقر أصحاب البشرة السمراء أو الحمراء أو الصفراء، ولا يهم شكله. لا يوجد تمييز عنصري، بين الرجال والنساء، الكل في الإنسانية سواء، الكل مكلف أن يصلي ويصوم وهكذا، الكل في المعصية سينبه، الاثنين فأزلهما
الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، نسق مفتوح يشمل العالمين إلى يوم الدين، ولذلك جاءت أحكامه على هذا الحد. سندخل البلاد، دخلنا وصار لنا جار من أهل الكتاب، ما علاقتي معه؟ معه واشرب معه وأتزوج منه، الله لم يقل لي اعتزل، لأنه اعتزل لا تنفع مع الدعوة العالمية، وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم، دعوة عالمية يكون فيها جوار حسن،
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في المدينة، أخرجه البخاري، فإذاً الأحكام ستراعي أنك. كن مصدر خير لكل من حولك في العالم. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله