سورة المائدة | حـ 884 | 5 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 884 | 5 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن"، فشمل هذا من كانت من المسلمات ومن كانت من أهل الكتاب. محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان وفي قوله تعالى أجورهن إثبات أن الذي بين الرجل والمرأة هنا هو عقد فكلمة
عقد لها أركان: العاقدان والصيغة من قبول وإيجاب ومحل، فلما قال أجورهن لأنه قد يأتي شخص وينكر أن العلاقة التي بين الرجل والمرأة هنا ليست هي علاقة عقدية بل هي علاقة تملكية كما كان شائعاً في بعض الأمم، والإسلام جاء ليجيب عن كل الأسئلة التي خطرت على بال البشر. أجورهن، ففي
قوله أجورهن استقلال للنساء من ملكية الرجال، وأن العلاقة التي بين الرجل والمرأة في الزواج هي علاقة عقد، والعقد يقتضي اتفاق إرادتين وليست إرادة واحدة، فلا بد من موافقة. البنت التي كانت تحمل حملاً وأُجبرت من غير إرادتها على الزواج أو على العلاقة مع الرجل فأصبح صاحب أجر، وهذا يدل على المقابل، والمقابل يدل على الإرادة، والإرادة تدل على العقد. انظر كيف يكون ذلك في "آتوهن أجورهن"، فهي
علاقة تعاقدية، وإذا اختل العقد بالتدليس أو بالغش أو بالإكراه أو بمثل ذلك أيضاً زوّجناها أو زوّجناها هي أصبح الطرفان معنا وبعد ذلك تبيّن أنها مجنونة أو مجنونة. حسناً، أنا متزوج امرأة لكي أبني معها أسرة وأنجب منها أولاداً يعني نسعد مع بعضنا. فيصبح العقد قابلاً للبطلان لما فيه من تدليس أو باطل. قال: لا، افترض...
قبلت. قلتُ: "لا بأس، فربنا سبحانه وتعالى قد أوقع هذه المجنونة في طريقي لأعالجها". "أوه، إلى أين ستذهب؟" "دعها تمضي، أنا حر في ذلك". "جزاك الله خيرًا، بارك الله فيك، حسنًا، ستُترك على هذه الحالة. لكن لا طاقة لي برعاية المجانين". "حسنًا، وماذا عن المهر الذي دفعته؟ أيُرد إليّ؟ لقد على ما لم يحدث يكون كأنك أعطيت أجراً لعامل وبعد ذلك العامل لم يعمل، فتكون إذاً كلمة "أجورهن" هذه فائدة كبيرة لجعل العلاقة بين الرجل والمرأة على حد العقد، فلا بد أن يخلو هذا العقد من التدليس
والغش والعيوب والجهالة والموانع، يعني شخصٌ تزوج امرأة. وبعد ذلك تبيّن أنها أخته في الرضاع، فلا يصح العقد وهو باطل حتى لو اكتُشِف ذلك بعد سنوات، فالعقد انفسخ تماماً، إذ هناك موانع. فقوله تعالى "أجورهن" يُثبت أن العلاقة بين الاثنين هي عقد، والعقد لا بد أن يكون خالياً من كل تدليس أو غش أو خداع أو عيوب أو كما ذكرنا محسنين غير مسافحين لأن الله سبحانه وتعالى حرّم الزنا وحرّم أن يكون هو الأساس في العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، ونشاهد
أمرًا غريبًا في المجتمعات التي أباحت الزنا وسكتت عنه أن نسلها قد قلّ، ولذلك فإن تعليل بعض الفقهاء بأن الزنا يُخشى منه اختلاط الأنساب محل نظر، فالقضية ليست قضية اختلاط الأنساب فقط، بل إنها تشتمل أيضاً على هلاك المجتمعات. فالزنا عندما يكون هو الأساس، نرى ونلحظ أن النسل يقل، وعندما تكون العلاقة هي الزواج، فإن النسل يكثر وينتشر على وجهه الصحيح. فالزنا ليس فقط فيه
مصيبة اختلاط الأنساب ولا التعدي على الحرمات فحسب، بل فيه أيضاً هلاك القادمة مما يجعل المجتمع ينسحب من الوجود، وهذا ملحظ قلّ من لاحظه، فينبغي أن تتنبه إليه. وأن هذا الذي يتكلم عن أن الزنا في اختلاف للأنساب وكأنه يسخر، فعليه أن يراجع تعداد السكان في العالم الذي أباح ذلك أو سكت عنه، والزنا محرم في كل شريعة، محسنين غير مسافحات ولا.
مُتَّخِذِين خُدَّاماً مُحْسِنِين غَيْرَ مُسَافِحِين وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان. السِّفَاحُ هُوَ الزِّنَا، وَالأَخْدَانُ هِيَ الصَّدَاقَة. فَالسِّفَاحُ كَالعَهْرِ وَيَكُونُ فِيهِ مُقَابِل، وَلَكِنَّ الأَخْدَانَ هِيَ الصَّدَاقَاتُ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا مُقَابِل. فَلَا هَذَا حَلَالٌ وَلَا هَذَا حَلَال. وَحُرِّمَ السِّفَاحُ وَحُرِّمَتِ الأَخْدَانُ مِنْ أَجْلِ الزِّنَا، لَا مِنْ أَجْلِ الأَجْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ هُنَا وَلَا يُؤْخَذُ هُنَاكَ، الزنا ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله. الذي
ينكر هذا ويبيح الزنا يحبط عمله في الدنيا. ونرى بلاء هذا الذنب في الدنيا على مستوى الشخص وعلى مستوى المجتمع، وهو في الآخرة من الخاسرين لأنه أراد غير مراد الله سبحانه وتعالى. ومن هنا حرم الله سبحانه وتعالى كل ما يوصل إلى الزنا يبدأ من النظرة إلى المُحرم وينتهي باتخاذ الأخدان، فالزنا محرم بكل مراحله، وهذا فارق بين أهل الأديان وبين أهل الفساد. هذه النقطة هي الفارقة، فهؤلاء يريدون أن يعيشوا كما يشاؤون من البداية إلى النهاية،
وأهل الأديان لا يريدون هذا ويرونه حراماً ويرونه ممنوعاً. والله سبحانه وتعالى يحفظنا من كل سوء ويحفظ أبناءنا من الفاحشة ويلقي في قلوبهم نوراً يكفون به عن المعصية وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    سورة المائدة | حـ 884 | 5 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا