سورة المائدة | حـ 889 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يذكر لنا الله سبحانه وتعالى الوضوء بأركانه، وهناك أركان مذكورة وهناك أركان يلمح إليها، ولذلك فأركان الوضوء عند الإمام الشافعي ستة، وأركان الوضوء عند الإمام أبي حنيفة أربعة. التي ذكرها الله بنصها في القرآن من غير زيادة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين". هنا أربعة، لكن الإمام الشافعي يقول: "إذا قمتم إلى الصلاة" إذاً هناك نية لإزالة الحدث، فهذا ركن. ولما أن... ذكر المسح بين الأغسال دل ذلك على وجوب الترتيب لأن العرب لا تفرق بين المتجانسات إلا لسبب. فهنا أين المتجانسات؟ اغسل، امسح، اغسل. فالمسح ليس من جنس الغسل. فيكون عندما
قال: اغسل، امسح، اغسل، قد فرق بين المتجانسات. لو لم يكن قد فرق لقال: اغسل وجهك. اغسل يديك، اغسل رجلك، امسح رأسك، وكان في ذلك الوقت الترتيب لا يُعتبر ركناً ولا شيئاً، ويمكن للمرء أن يبدأ برجله أو يبدأ بيده أو يبدأ برأسه أو يبدأ بالمسح أو يبدأ بالغسل كما يشاء، لكن العرب لا تفرق بين المتجانسات إلا لسبب. السبب هنا ما هو يا ترى؟ اغسل، أصبح الترتيب هو فكر الإمام الشافعي المبني على قاعدة في اللغة العربية أن العرب لا تفرق بين المتجانسات إلا لعلة أو سبب، وقد فرّق
الله هنا، وقد أنزل القرآن بلغة العرب، بين المتجانسات، فلا بد أن يكون ذلك لسبب وعلة. ابحث إذن عن السبب والعلة، ماذا يكون يا ترى؟ فقالها الترتيب فجَعَلَ الترتيبَ ركناً من أركان الوضوء، يعني ماذا؟ يعني إذا غسل الشخص يديه، ثم غسل وجهه، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه، فإن وضوءه بهذه الصورة عند الشافعية باطل، وعند الحنفية صحيح ولا يضره شيء، وبدون نية أيضاً. الله واحد. كان يمشي في الطريق، فتعثر ووقع في النهر. وقع في النهر فيكون
بذلك عند الصنابير متوضئاً، إذا لم يكن يلبس جوارب فيكون عند الصنبور متوضئاً. إذا وصلت المياه إلى أعضاء الوضوء فيكون متوضئاً. هذا فقط إذا تعثر أو دفعه أحد في النيل أو في الترعة، وقال لك: ليس لي دخل، سواء وصلت المياه أم لا إلى الأعضاء التي قال له ربنا: "وصلت الحقيقة هكذا". قال: "حسناً، إذن فهو متوضئ". قال الشافعي: "لا، وهو يأخذ هذا الغطس بالكامل وبدون نية، لا يصح ذلك". قال: "حسناً، وإذا كان مغطوساً كله في الماء أو مغطوساً كله في المغطس ونوى؟" قال: "إذن يمكنه في
لحظته اللطيفة أن يستغني بها عن الترتيب، كأن في الوجه وبعد ذلك أخذت ما في اليد وبعد ذلك ذهبت وأخذت ما في الوسط وبعد ذلك ذهبت وأخذت ما في الرجل بسرعة كبيرة. ماذا يسميها؟ اللحظة اللطيفة. لحظة فقط لكنها لطيفة جداً، أي صغيرة جداً، لحظة لطيفة. حسناً، إذا كان هذا الترتيب مهماً عند الشافعي، فماذا نفعل الآن؟ نرتب ما الوضوء قد اعتدنا عليه وأصبح من العبادات -سبحان الله- التي هي خفيفة على الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له ذلك. أما القرآن فقد شرح لنا القضية، ويأتي النبي كالمذكرة التفسيرية للقرآن
ليفسر لنا الأمور لأن هذا هو الكمال، فكان يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثم... بعد ذلك يتمضمض ثلاث مرات، يقول: "بسم الله" ويتمضمض. كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر. وفي رواية ثانية: "الحمد لله"، وفي رواية ثالثة: "بذكر الله". روايات متعددة، فيقول: "بسم الله"، وبعد ذلك يتمضمض بعدما غسل يديه ثلاث مرات. كان يحب التثليث هكذا، هو ويستنشق في الشريف ثلاث مرات، ولذلك تجد المسلمين لا يصيبهم بعض الأمراض المتعلقة بالأمور الأنفية وما
شابهها، وهي نادرة فيهم. لماذا؟ من كثرة الوضوء والطهارة الجميلة هذه. ثم دائماً المضمضة، ما فكرة المضمضة؟ يقول لك: لأنك ستتكلم الآن بكلام ربنا. فأحياناً ينسى الإنسان لماذا يفعل ذلك. حسناً، يتمضمض. ها هو يتمضمض لأنه رأى أباه يتمضمض، لكن فيها فكرة أنك الآن ستتحدث مع الله، فيجب أن يكون فمك طاهراً هكذا، ولذلك علمنا النبي حتى ونحن متوضئون أننا إذا شربنا شيئاً فيه دسم - وهذا ما يسمى مثل اللبن، فاللبن يوجد منه خالي الدسم، وكامل الدسم، ونصف دسم. في اللبن، فيه دسم يُستخرج منه الزبدة، فيقوم بمضمضة الفم قبل الصلاة، أي لكي يكون الفم طاهراً ليناجي
ربه ويذكر ربه ويتلو كتابه، في شيء من التعظيم لهذا الفم الطاهر. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً علّمنا شيئاً، وهو أن الطفل الصغير أول ما يولد نؤذن في أذنه اليسرى حتى أول ما يدخل عقله "الله أكبر الله أكبر"، فأذان المسلمين جميل أيضاً، كله تعظيم لله، وفيه الشهادتان اللتان تحملان حقيقة الدنيا، وفيهما الدعوة إلى الصلاة والدعوة إلى الفلاح، يسمعها الطفل. إنه طفل فقط، لكن التعليم في الصغر كالنقش على
الحجر هذا، أنت تنقش في ذهنك الحكاية. قال: حسناً، انتهى الأمر، فأذننا هنا. كنا نؤذن هنا أيضاً أو لا نؤذن. لماذا هنا الأذان وهنا الإقامة؟ فقال بعض أهل الله إشارة إلى أن بقاءك يا أيها الإنسان في الدنيا قليل كما بين الأذان والإقامة. هل انتبهت؟ يعني يؤذن هنا. ويُقيم هنا يعني عندما قلنا أقمنا، وعندما جئنا ذهبنا. يعني لا تفهم أنك ستبقى هنا طويلاً هكذا، لا، إنما هي بالكاد ما بين الأذان والإقامة، وإذا عددتها تجد نفسك لو عشت مائة سنة تكون قد عشت عند ربنا ثلاث دقائق فانتبه. فكان يُحنِّك الطفل،
يُمضغ هكذا البلح. لأنه الفم طاهر وبالتالي أيضاً يُحضرون الأطفال ويقولون سيدنا الشيخ أصلاً حافظ للقرآن، دعه هكذا يفعل ماذا؟ يعطي للطفل شيئاً ما ليلعقه فيكون قد لعق شيئاً من القرآن الذي في جوفه. نعم، إشارات كلها فيها رموز وفيها معانٍ وفيها رقة للقلب وفيها ذكر للرب وفيها أشياء جميلة ومن أنكرها فقد... حرم نفسه وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.