سورة المائدة | حـ 893 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. مع كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ، وبعدَ ما علَّمنا ربُّنا سبحانَهُ وتعالى كيفَ نتطهرُ من أجلِ الصلاةِ، سواءٌ من الحدثِ الأصغرِ أو من الحدثِ الأكبرِ، فإنَّهُ تكلَّمَ عن أسبابِ ذلكَ الحدثِ، ما الذي يجعلُ. الإنسان مُحدِثاً وعنده أمر يمنعه من الصلاة إلا بعد أن يزيل أو يستبيح الصلاة، فتكلم عن أسباب الحدث. قال تعالى: "وإن كنتم مرضى
أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء". هذه موانع استعمال الماء، والماء لا أستطيع أن أستعمله إما حساً وإما شرعاً لفقد الماء. قد يكون فقداً حسياً كأنني أكون في سفر في وقت السحر وليس هناك ماء،
هذا يعد فقداً حسياً، فالماء لا وجود له. الأمر الثاني: يكون معي ماء ولكنه ماء للشرب، فإذا استهلكته في الوضوء أو في الاغتسال، لم يبقَ معي ماء للشرب، وإذا لم يبقَ معي ماء أهلك، ولذلك الفقد لا تجدُ ماءً، والفقدُ الشرعي أن تجدَ ماءً ولا تستطيعُ أن تستعملَه. يبقى فقدُ الماء على نوعين: فقدٌ حسي بفقد ذات الماء، أي لا وجود للماء، وفقدٌ شرعي حيث الماء موجودٌ
أمامي ولكن مع وجوده أمامي إلا أنني لا أستطيع أن أستعمله. والسؤال: لِمَ لا تستطيع أن تستعمله؟ وتأتي أسباب انظر إلى جمال الإسلام في مراعاة احتياجي للماء أو احتياج حيوان محترم للماء، ليس أنا فقط بل الحيوان أيضاً يحتاجه، فأتيمم وأترك الماء للحيوان المحترم الذي معي، سواء كان ناقة أو جملاً أو معزة أو
قطة أو بقرة أو كلباً رافقني للحراسة. لذلك قم ولا تتوضأ، لا تتوضأ من أجل انظر إلى أين وصل بنا الكلام، إلى أن هذا الحيوان المحترم يُبيح لي أن أتيمم. قال له: نعم. قال له: ماذا أيضاً؟ قال له: افترض أننا في قافلة وهذه القافلة تسير، وهناك شخص رفيقي معه مياه، فذهبت إليه وقلت له: ألا تعطيني ماءً لأتوضأ؟ فأنت معك مياه كثيرة، خمسة جمال. محمَّلين ماءً، قال: "وما المانع، كم تريد؟" قلت له: "صاعاً هكذا أو مُدّاً أو شيئاً من
هذا القبيل، لأن مُدَّ الماء يعادل كوباً، يعني أتوضأ به". قال لي: "حسناً، بعشرين جنيهاً". قلت له: "كيف عشرين جنيهاً لكوب ماء يا أخي؟ هذا لا يساوي ربع جنيه". قال: "والله، لكنك محتاج إليه. ربنا جعلها سهلة، وتوجّه مباشرة إلى التراب أو إلى الصعيد وتيمّم. لماذا؟ بينما معك العشرون جنيهاً في جيبك. قال: لأن هناك مغالاة في ثمنه، فعندما أشتريه سأشتريه بثمنه المناسب. حسناً، افترض أنه أغلى من ثمنه، أتيمم؟ بينما أنا رجل غني ومعي العشرون جنيهاً وزيادة أيضاً. قال: لا، ليست هذه القضية. ليست قضية
القدرة، القضية هي قضية هذا الرجل الذي يريد استغلال الحاجة، أنا لم أمكنك منه ولم أمكنه منك. أنت دائماً ما تذهب وتستسلم. نقول: حسناً، وماذا أيضاً؟ قال لي: السورة الرابعة. فذهبت إليه وقلت له: أعطني كوب ماء. فنظر إليّ، نظر إليّ، ليست هي، نظر إليّ هكذا بمنة. قلت يعطيني الكوب ويناولني إياه بصورة غير لائقة قائلاً لي: "خذ". فأقول له: "متشكر" وأذهب. أما هو فيقول: "لماذا
تفعل ذلك؟ إنه لم يطلب منك عشرين جنيهاً ولا عشرين قرشاً". فقال: "لكي لا تتحمل المنّة". يعني لا ينبغي لأحد أن تكون له عليك أي منّة. فهو يدعوني ويقول لي: "تفضل من لكن أردت أنا الثواب من أجلي، فقمت أقول له: حسناً، لا عليك الآن، دعنا نتعادل ونحسِّن، نوفرها. لا عليك، أقبِّل يدك أن تأخذها. لم يقل هذا، وشعرنا أنه سيحمل عليّ منه، وكلما يراني يقول لي: ألست أنت الذي أخذت كوب الترمس الذي ذهبت به؟ فأقول له... نشكرك. هذه شريعة تُعلِّم أتباعها الكرامة، وتُعلِّم أتباعها الجودة والكرم، فهي تُعلِّم أتباعها الكرم وتقول
لك: إياك أن تمُنَّ على أخيك، والكرامة وتقول لك: إياك أن تُذِلَّ نفسك لأحد. إنها شريعة تبني هذه النفس الإنسانية المحترمة المعتبرة. وماذا أيضاً؟ قال: كنا نسير فوجدنا إناءً كبيراً كان يُسمى قديماً في مصر هكذا يوجد ماء وهذا الإناء الذي فيه ماء مثل الثلاجات التي فيها الماء، ثلاجة ماء أو زير في القرية وقف لله تعالى للشرب. الناس وهي ماشية تشرب من ثلاجات الماء هذه، فأنا أذهب لأتوضأ. قال:
حرام لأن هذا ماء للشرب وليس للوضوء. طيب ما المشكلة في ذلك؟ هذا الوضوء. أي قليلون قالوا أبداً تذهب تتيمم والمياه موجودة والمياه موجودة لأنها قد فُقدت شرعاً، فالمياه قد تُفقد حساً وقد تُفقد شرعاً. ومن ضمن الأشياء أن يدي ملتهبة فيها مرض أيضاً، فتكون المياه موجودة أمامي وملكي وبكثرة ولا أستطيع استعمالها فأتيمم. إذاً قد يُفقد الماء حساً أو شرعاً، يعني... موجودٌ لكنني لا أستطيع أن
أستعمله، فيكون ذلك سبباً من أسباب ترك الوضوء والذهاب إلى التيمم، وإلى لقاءٍ آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.