سورة المائدة | حـ 894 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 894 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، وبعد أن علّمنا الله سبحانه وتعالى الوضوء والطهارة والاغتسال تهيؤاً للصلاة، علّمنا بديل ذلك وهو التيمم، وعلّمنا أن الأمر قد يكون بسبب فقد الماء حساً وبفقد الماء شرعاً. ولفقده شرعاً صورٌ كثيرةٌ ذكرنا بعضها في حلقةٍ سابقة. قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾، فالمريضُ يجدُ الماءَ لكنه لا يستطيعُ أن
يستعملَه، فهذا فقدٌ شرعي. أو على سفرٍ، فالمسافرُ يفتقدُ الماءَ، أو إذا وجدَه احتاجَ إليه، وبذلك يكونُ هذا فقداً حسياً في بعضِ صورِه. وتكلَّمَ عن أسباب... الحدث فقال أو جاء أحد منكم من الغائطين فأصبح الخارج من الإنسان سبباً في الوضوء أو في التيمم. فالإنسان إذا خرج منه شيء من السبيلين: البول، البراز، الريح، فإنه يكون قد انتقض وضوؤه. كلمة
"الغائط" أي المنخفض من الأرض، لكنها صارت دليلاً على هذا المعنى، الذي نقوله. عليه الآن دخول دورة المياه أيضاً، هذا مجاز؛ لأن الإنسان يمكن أن يدخل دورة المياه ولا يفعل فيها شيئاً، لكنها أصبحت مجازاً. يعني عندما تقول: "أنا أريد أن أذهب إلى دورة المياه"، فهل تذهب لتصلحها؟ أو تذهب لتنام فيها؟ من المعروف أن هذا يعني هذا، وهي الإشارة لذلك. فيها مجاز وهذا المجاز فائدته الأدب، لأن هذا الإخراج لا يُستحسن ذكره
في المجالس عادةً. المرء لا يقول هذا الكلام إلا للطبيب أو لغرض محدد، لكن مجالس الناس تُنزَّه عن هذا، فنستعمل معها ألفاظًا تشير إلى المعنى دون أن تذكر المعنى صراحةً. ففي هذا نوع من الأدب العالي الرباني الذي أن نقتدي به في سائر حياتنا، وأن ندرك أن الأشياء ينبغي أن تكون لها حدود، وينبغي في الكلام أن نراعي الأدب، وينبغي في الكلام أن نراعي مشاعر الجالسين، وينبغي في الكلام أن نتحلى بشيء من اللباقة واللياقة، بحيث نكون
ربانيين، فالرباني هذا شأنه، ولذلك فكما ورد في وصف رسول الله عليه وسلم أنه لم يكن فاحشاً ولا بذيئاً ولا سباباً ولا لعاناً، أدب عالٍ كان ويعلمه لأمته. كان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، وهو يعلمه بالأسوة الحسنة لأمته بعد ذلك إلى يوم الدين. "أو لامستم النساء"، الإمام أبو حنيفة لما تأمل في الآية قال: "أنا من هذه الآية أنها تتحدث عن الحدثين:
المجيء من الغائط وهو الحدث الأصغر، وملامسة النساء وهو الحدث الأكبر. لأنه لو كان الأمر أن المجيء من الغائط حدث أصغر وملامستم النساء حدث أصغر، فسيكون هناك تكرار، وثانياً لن تكون هناك إشارة إلى الحدث الأكبر. لكن لو فهمنا أن هذا حدث... أصغر وهذا حدث أكبر يعني تكون بليغة يكون لا يوجد تكرار وفي نفس الوقت ذُكِرَ الموردين حدث الأزهر حدث الأكبر كلام جميل كلام
قوي الإمام الشافعي قال له نحن مقيدون باللغة وجاء أحد منكم من الغائط هذا أحد الأسباب أو لامستم النساء هذا سبب آخر وكلاهما يصدق في ماذا في الحدث الأصغر: أما الحدث الأصغر فهو مذكور في قوله تعالى: "وإن كنتم جنباً فاطهروا" إما بالماء وإما بالتيمم، فهي مذكورة. وأفرد لمس
النساء لأن القادم من الغائط هو على سبيل المئنة، والقادم من لمس النساء على سبيل المظنة. المئنة تعني ماذا؟ تعني مائة في المائة، أي يقين. أي أن الذي عاد من الحقل ودخل دورة المياه وقضى حاجته، هذا بالتأكيد قد انتقض وضوؤه مائة في المائة، لكن شخص سلّم على زوجته، فما المشكلة في ذلك؟ ماذا يعني أن شخصاً سلّم على زوجته؟ فالإمام الشافعي يقول: هو انتقض وضوؤه وهي انتقض وضوؤها، كلاهما انتقض وضوؤهما.
أما الإمام مالك نحن الآن بين رأي الشافعي ومن؟ وأبي حنيفة. فأبو حنيفة يقول لا ينتقض الوضوء ولا شيء، فقوله تعالى "أو لامستم النساء" المقصود به الجنابة. أما إذا سلّم أحد على يد زوجته هكذا، فلا يكون قد حدث له شيء يُبطل الوضوء. لكن الشافعي قال له: لا، بل حدث له، وهذا ما لأن لمس النساء مظنة خروج شيء من الرجل، قال له: "والله يا إمام، فضيلة الإمام الشافعي، نحن غير مقتنعين بهذا". هذا مَن الذي يقول له؟ سيدنا الإمام أبو حنيفة. قال له: "لماذا؟" قالوا: "لو كان ذلك مظنة خروج شيء من الرجل، فليس بمظنة خروج شيء من المرأة، وأنت
تقول الرجل". والمرأة على حد سواء، هذا ينقض الوضوء وهذا ينقض الوضوء. انتبه، فأنت يعني ستُدخلنا في ضيق قليلاً. بعد ذلك، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عنه أنه كان يُقبّل ويكبّر، يعني كان يُقبّل زوجته ويقول "الله أكبر" ويدخل للصلاة بطيب نفس، ليس هناك وضوء ها هو، وهذه القبلة لَمْسٌ أجاب عنه الإمام الشافعي بأن الحديث ضعيف، الحديث فيه ضعف عنده. قال: "حسناً، كان وهو ساجد السيدة عائشة تضع يدها على قدميه حتى ترى
إذا كان حياً أو متوفى لأنه أطال في السجود كثيراً. ولو كان هذا ينقض الوضوء لما كان الأمر هكذا". قال: "لعلها فعلت ذلك فوق الثياب". هل أنت منتبه للجدل الدائر حول قوله: "لماذا تقول هكذا؟". قالوا "لامستم" غير "مسستم" كما في لغة القرآن "ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً". لغة القرآن هكذا، لكن "لامس" تعني وضع اليد على اليد هكذا. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته