سورة المائدة | حـ 896 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 896 | 6 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، وبعد أن علمنا ربنا الطهارة والتطهر والتهيئة للصلاة بالوضوء والاغتسال، وبعد أن علمنا الطهارة الأصيلة والطهارة البديلة، وعلمنا الأحوال التي بموجبها يكون الحدث والأحوال التي بموجبها يكون الفقد. الماء حساً أو شرعاً، فإن الله سبحانه وتعالى قال في سياق ذلك: "أو لامستم النساء"، ووقف الأئمة الأعلام فيها كما رأينا في حلقة سابقة
يتأملونها ويختلفون فيها ويقيمون الأدلة من اللغة ومن القرآن ومن السنة على مدعاهم، ويستعملون العقل في استنباط معانٍ وقواعد لفهم كتاب الله سبحانه وتعالى، وكان مما قاعدة أنه يجوز استنباط معنى من النص يخصصه ولا يجوز استنباط معنى من النص يؤدي إلى بطلانه، وذلك عند قوله تعالى "أو لامستم النساء". فالنساء لفظ عام يشمل
أمي وأختي وابنتي وهؤلاء المحارم لا ينتقض بلمسهن الوضوء، لأن لمس المرأة الأجنبية قد يكون محلاً للشهوة التي تتحرك بخلقة الله سبحانه الرجال والنساء هذه الشهوة التي قد تكون سبباً في خروج شيء ينقض الوضوء، ولكن لليأس من الزواج بالمحارم لا نرى الفِطر السليمة تشتهي المحارم. الفِطر
السليمة، أما الفِطر المعوجة المريضة التي تحتاج إلى علاج وإلى إحالة إلى الطبيب النفسي للعلاج، فهذا أمر خلاف العادة وما درج عليه البشر، ولذلك فالأم... والخالة والعمة وذوات المحارم انقطع الأمل فيهن لأن الله حرم هؤلاء النسوة على الإنسان، فمنذ صغره لا يفكر في الارتباط بهن، ولذلك لا تتحرك الشهوة تجاههن. هذا المعنى بعدما تفكرنا في أن لمس النساء
يمكن أن يحرك الشهوة، وأن تحرك الشهوة يمكن أن يصاحبه خروج شيء فينتقض الوضوء. هذا التسلسل والتداعي للأفكار نستنبط منه معنى يخصص النص، فكأنه يقول أولًا: مستم النساء إلا المحارم، ولكن ربنا في القرآن لم يقل إلا المحارم، وإنما الذي يجعلنا نقول إلا المحارم المعنى والواقع. المعنى الذي فهمناه من الآية والواقع المعيش الذي نراه في الخلق أجمعين، الذي هو أصل الفطرة. فالفهم والواقع. يجعلنا
نستنبط معنىً من نصٍّ يخصصه ويضيف إليه في أذهاننا لا في تلاوتنا قولنا "إلا المحارم" أو "أو لامستم النساء إلا المحارم". كل هذا الكلام من الذي يحتاج إليه الشافعي الذين يقولون إن اللمس هنا معناه التقاء البشرتين. أنت تقول إن اللمس معناه التقاء البشرتين هنا. قال: نعم. قال: حسناً. لا توجد مشاكل ستترتب على هذا، كيف تحلها؟ فحلها بالتداعي. هذا أبو حنيفة لا يحتاج إلى هذه المسألة، ولا يجوز استنباط معنى من النص،
أي نص يحكم عليه بالبطلان. كيف في أربعين شاة زكاة شاة؟ عندما يكون لديك أربعون من الغنم، وهذه الغنم سائمة وليست معلوفة، فالتي معلوفة توجد في ليس عليها زكاة في سائمة الغنم الزكاة، أما المعلوفة فلا زكاة فيها. السائمة أتركها في المراعي ترعى وفي آخر النهار ترجع. عندي تسعة وثلاثين، لا تجب علي الزكاة. أصبحوا أربعين، فتجب علي شاة واحدة من أربعين. قالوا له: لا يريد إخراج الشاة، لا يريد إخراج
الشاة. قلت له: إذاً ماذا قال: "هدي الفقير تمامها"، الشاة اليوم بكم؟ قلتُ له: الشاة اليوم تساوي خمسمائة أو ستمائة جنيه. قال: "هدي الفقير" ستمائة جنيه ولم يُخرجها من الأربعين. قام الشافعي وقال: لا ينفع، لا يجوز. استنبط معنى من النص وهو إغناء الفقير يقر عن نص نفسه بالبطلان لأنه يقول له أخرج. قال له ليس كذلك، عندما استنبطنا معنى من النص وهو إغناء الفقير لا يُحكم عليه بالبطلان. الإمام أبو حنيفة اختلف مع سيدنا الإمام الشافعي في ذلك. كل ما نفعله الآن
هو تدريب أذهاننا، وتوسيع صدورنا، وقبول المخالف. نقول إن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، العلم مبني على... قال له البرهان: "لكنني لا أرى يا إمام الشافعي أنني عندما آخذ ثمن الشاة وأعطيه للفقير أن ذلك يعود على النص بالإبطال." قال له: "حسناً، هل أنت متفق معي في القاعدة؟" قال: "أنا متفق معك في القاعدة لكنني غير متفق معك في التطبيق، أنا متفق معك في القاعدة أنه يجوز." استنباط معنى من النص يخصصه ولا يجوز استنباط معنى من النص يعود عليه بالبطلان. أنا معك، لكن عندما تأتي وتمثل وتفهمنا بحكاية الشاة هذه، فأنا لست معك. لماذا
قالوا؟ لأن هذا ليس فيه إبطال على الناس بالبطلان. حسناً يا إمام الشافعي، سأقول لك: أنت أخرجت الشاة من الأربعين وأعطيتها. الفقير والفقير أراد أن يبيعها لك، هل فيها شيء؟ قال له: لا. قال له: يبيعها لك لأنه يريد النقود أفضل من الشاة، هل فيها شيء؟ قال له: لا. قال له: حسناً، فما الفرق إذن؟ الفقيه أخذ النقود وأنت بقيت عندك الشاة، ما الفرق؟ قال له: التعبّد. قال له: أنا... مَن يرى هكذا معنى يُكرّ على النص بالبطلان، رضي الله عنهم أجمعين. وإلى لقاءٍ آخر، نستودعكم
الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.