سورة المائدة | حـ 898 | 8 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ 898 | 8 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون وهذه آية من آيات شعار المسلمين ومن آيات المبادئ العامة التي بُنيت عليها الحياة وبُنيت عليها الشريعة ومن
مكونات عقل المسلم الذي هو شهيد حضاري على العالم كله. عقل المسلم الصحيح الذي يحتاجه الناس أجمعون عبر العصور خاصة في عصرنا هذا تشريف وتكليف، شرفك بالإسلام وبالشهادة الحضارية. وكلفك بأن تكون فيها، فإن أنت قصرت فقد قصرت عن تكليف أراده الله أن يقيمك فيه. "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله"، قوام
صيغة مبالغة، وقائم اسم فاعل. صيغة المبالغة تُشتق من اسم الفاعل وتُستجلب منه بأن تكون الصفة في هذه الصيغة (صيغة المبالغة) تكون أعلى مما كانت في. اسم الفاعل "ضارب" هو من يضرب فاسمه ضارب، و"آكل" هو من يأكل فاسمه آكل، و"شارب" هو من يشرب فاسمه شارب. أما "ضَرَبَ" فهو فعلٌ حدث مرة واحدة في حياته، لكن "ضَرَّبَ" فيعني تكرر منه الضرب وكثر وفحش وزاد وطغى، وهي
صيغة مبالغة لا تترك أحداً إلا وتضربه. "ضَرَّاب" كثير الأكل. خلاص، واحد أكل. كل الإنسان يأكل أكلاً، أجل، هذا زاد عن الحد، أصبح هذا كما قال النبي: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"، لكن هذا ما شاء الله، إذا أكل التهم الطعام، وإذا شرب رشف بشدة. فماذا نستنتج؟ وصلنا من الأكل إلى المبالغة في الأكل، صيغة مبالغة في الأكل. شخص قام يقوم قيامًا فهو
قائم، ليس جالسًا. ما الفرق بين الجالس والقائم؟ الإنسان عندما يكون جالسًا يكون مرتاحًا، يكون مسترخيًا. وعندما يقوم فإنه يكون قد فعل شيئًا. يعني هذا الجالس من الممكن أن يكون كسولًا، نعم من الممكن، وقد لا يكون. أي أنه جالس هكذا يرتاح أو شيء من هذا همة ونشاط هما الأصل في الإنسان. ما الأصل في الإنسان؟ أنه يرتاح طوال عمره، يستند على شيء ما، يجلس في ظل شجرة، كأن الأصل فيه أنه جالس. لكن
هذا الشخص القائم هو متهيئ لأنه يصافح من دخل، ويسير ويتحرك. فنستطيع أن نقول إن الجالس فيه سكون أو... متهيئ للسكون وأن القائم فيه حركة أو هو متهيئ للحركة، فإذاً الحالة السلبية أقرب إلى الجلوس والحالة الإيجابية أقرب إلى القيام. قائم لدي ماذا؟ فوراً، هذا يعني أن الهمة زادت والقيام هنا استمر وأضيف إليه
ما يناسب تلك الهمة: فوراً، الملاحظة والالتفات والترقب والحراسة، كل هذه في ماذا؟ في قِوام لأنه ليس قائماً فحسب، بل هو قائم وزيادة. الزيادة من أين تأتي؟ من أفعال إيجابية تُضاف إليه مثل الاستمرار، أنه قائم باستمرار، أنه حاضر باستمرار، أنه مراقب باستمرار، أنه صاحب همة باستمرار، أنه حارس باستمرار. إذاً، ما معنى القيام؟ معناه الفعل الإيجابي، ومعناه الهمة العالية،
ومعناها الحراسة، ومعناها العناية، ومعنى "واقعد" أي استمر قائلاً هكذا من الآن حتى الغد: "الرجال قوامون على النساء" يعني مكلفون بحمايتهن وحراستهن ورعايتهن والعناية بهن. والمراقب لهن يراقبها هكذا، ينظر ويتأكد: "ماذا تريدين؟ هل أنتِ محتاجة لشيء؟ هل تريدين قول شيء؟ أخبريني، أنا في خدمتك، ما هي أوامرك؟" تخيل الآن لو أننا انظر إلى التحريف، أصبح تحريف مراد الله من خلقه.
خلقك الله رجلاً لكي تحمي المرأة وترعاها وتنفذ لها طلبها وتحرسها، ونقول هكذا، والآخر يقول ماذا؟ لا، أنا أنفق عليها وأبقيها في البيت كأنها قطة أو حيوان، أبقيها في البيت كالدجاج، وما دام أنني أنفق عليها وأبقيها. في البيت يكون من حقي أن أضربها؟ أليس الله قال ذلك أيضاً؟ لا، الله لم يقل ذلك. ما قاله الله هو: الرجال قوامون على النساء. وماذا قال؟ قال "قوامون" ولم يقل "اضربوهن" ولا قال "متعالون" ولا قال هكذا. وذلك بسبب ما فضل الله
به بعضكم على بعض. وبسبب أنه جعلك أصلاً بعيداً عن قضية الحمل والولادة ورعاية الأطفال حتى يكبروا وفي التربية وما إلى ذلك التي خلق الله المرأة من أجلها أساساً، من أجل هذا كنت حراً في كل حياتك من غير مرض ومن غير ضعف ومن غير وهن يصيبك بسبب الحياة، حملته أمه وهناً على وهن عامين فإذا القضية هنا تقف مع كلمة قوام وتذهب حتى تبحث عنها في القرآن وتبحث عن بيت الله الذي
جعله قياماً للناس. بيت الله يرعى الناس ويوحد الناس ويجذب الناس فيذهبون إليه في الحج، ثم تراهم كأنهم سُلبوا وجُذبوا، فيقولون: "لا بد أن أذهب لأعتمر ولا بد أن أذهب لأحج"، يخرج أحدهم ليقول لهم: لا تحجوا ولا تعتمروا. عندما يكون هناك جاذبية، ماذا يفعل لنا؟ حسنًا، قل لنفسك ما تريد، والملايين تتزايد حول بيت الله من أجل ماذا؟ لأنه قيام للناس ومختص به. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.