سورة المائدة | حـ909 | 8 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ909 | 8 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله". خبير بما تعملون، لا يجرمنكم، يعني لا يدفعنكم شنآن (كراهية). "إن شانئك هو الأبتر"، إن كارهك هو الأبتر. الشنآن هو كراهية مع خصومة ومنازعة تقتضي
أن تسلك أي طريق من أجل الانتصار عليه، فالشنآن أعلى درجة من الكراهية الدافعة لأذى المدفوع بها لأذيتك. لا تجعل هذا الحال، وهو كذلك، نحن لك أنه لا يكرهك بهذا القبيل، لا، هو يكرهك ويرضى بإيذائك ويحاربك ويقاتلك ويريد قتلك وإبادتك. هذا واقع هكذا، هو يريد هذا، ولكن إياك أن تتنازل عن العدل مع هذا العدو الفاجر الكافر المفسد أبداً.
فالعدل صفة أساسية مطلقة وليست نسبية، لا نقوم بها في بعض الأوقات ونتركها في بعض الأوقات نقوم بالعدل في بعض الحالات ونتركه في حالات أخرى، ونطبقه مع بعض الأشخاص دون الآخرين. أبداً، العدل مكون أساسي لحياة المسلم ولعقله ولتصرفاته ولملكه حالاً ومآلاً. عليك ألا
تترك العدل، فالعدل أساس من الأسس التي ينبغي ألا ينساها الناس. الاعتداء على الآخرين ليس من العدل، وتعذيب الناس والجسد الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ليس من العدل من عذب إنساناً فعليه أن يتوب وأن يرجع فوراً قبل الفوت وقبل الموت وقبل أن يقسو قلبه فلا يستطيع التوبة، وقبل أن يستجيب الله للمظلوم فيحل عليه غضب الله سبحانه وتعالى، وإذا حل عليه غضب الله سبحانه
وتعالى لا يستطيع أن يخرج منه وقبل أن يحول الله بينه وبين قلبه فيريد أن يقلع عن ذلك الذنب العظيم فلا يستطيع. واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، ولذلك نداء إلى من عذب الإنسان في العالم وانتهك كرامته أن يرفعوا أيديهم عنه وأن يعاملوه بالعدل، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد، يمهل ولا يهمل ومن أراد التوبة فإن باب التوبة مفتوح، ومن أراد أن يتلاعب مع الله وأن يسخر بكل قيمة وأن
يستمع إلى أمر الله لنا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ارفعوا أيديكم عن تعذيب الإنسان وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يغضب من فوق سبعة أسماوات، وإذا غضب الله فلا رد. لغضبه ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى. إذا العدل في بعض الأحيان، إذا ما عدلنا مع الفاجر، عدلنا
مع الفاجر فإنه يخرج ويستمر في فجوره، لكن أيضاً سأعدل ولا شأن لي بهذه المسألة. يستمر في فجوره وسيفسد في الأرض، أقول له هذا له وضع ثانياً، الأمور المتعلقة بالله لها وضع آخر. عندما يفسد (الإنسان) نقوم بضبطه ومحاكمته مرة أخرى، لكنني لا أترك العدل بناءً على فساد المفسد وفجور الفاجر. إنني لن أترك العدل أبداً، وهذا هو أساس القضاء. عادة أقول له: "حضرة
القاضي، هذا الرجل لم يقتل هذا القتيل، ولكن يخيل إليّ أنه قتل قديماً ولم يثبت عليه، فلا يمكنك قتله. هذا الرجل لم يسرق، لكنه لص. لقد سرق من قبل أشياء كثيرة، لكنه في هذه الحادثة الحقيقية لم يسرق. ثم يُخرجه القاضي بريئاً لأنه لم يسرق. فانظر إلى التعبير القرآني "اعدلوا" هو أقرب للتقوى. احذروا أن تظنوا أنكم لن تعدلوا من... أجل إنني للتقوى ما هو في حاجة كذلك أنني لا أعدل ابتغاء التقوى. احذر أن يضلك عقلك
ويلعب الشيطان به فتصل إلى هذا التلبيس الشيطاني. العدل عدل ولا شأن لي بغيره. حسناً، إنني لن أعدل لأمنع الفساد، فما معنى ذلك؟ أأفسد لكي أعمل من أجل منع الفساد؟ ألغِه، لا. الغاية لا تبرر الوسيلة، لا يصح أبداً أن أفسد لكي أمنع الفساد، لا يصح أن أعدل فقط ثم يزول الفساد من تلقاء نفسه. احذر أن تقع في هذا التلبيس، ولذلك جاءت هنا قوله تعالى: "أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون". وإلى لقاء
آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم وبركاته