سورة المائدة | حـ910 | 9 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يقرر قاعدة عامة في آية كريمة تصلح لأن تكون آية مستقلة، أي خارج السياق والسباق، بمعنى أنها وحدها قائمة بذاتها من غير نظر. عندما قُبلت بنفسها ودون النظر إلى ما بعدها، وهذا لا يمنع مع استقلالية الآية أن يكون لها تعلق ولابد بما قبلها وما بعدها،
إلا أنها مع ذلك فهي أيضًا تصلح لأن تكون مستقلة. قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، فإذا ما نظرنا إلى ما وفهمناها في السياق فما قبلها يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}. وعَدَ الله إذاً، فالله قد وعد هذا الصنف
المخصوص الذي كان قائماً لله شهيداً بالقسط عادلاً ولو... على نفسه وأهله، ولا يجعلنّه بُغض قوم أن يظلم، لكنه عادل في كل الأوقات حتى مع بُغض هؤلاء القوم وكراهيتهم. حينئذ وعد الله هذا الصنف المخصوص. ولو فهمناها خارج السياق، فالله سبحانه وتعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مطلقاً، سواء أكانوا من أولئك الذين اختُبروا بالعدل أو لم يكونوا من... أولئك الذين اختُبِروا بالعدل،
فالعدل بلاء وامتحان يمتحن الله به عباده، فمن عدل فقد أطاع الله، ومن ظلم فقد عصى الله سبحانه وتعالى. والبلاء قد يقيمه الله سبحانه وتعالى في طريقك في حياتك، وقد يعفيك من هذا ويبتليك ببلاء آخر كالصلاة والصيام والحج، يختبرك فإن نجحت في هذا فأنت ناجح. وإن لم تكن كذلك فالله سبحانه وتعالى يعفو عنك ويردك إليه رداً جميلاً. إذا تعلمنا هذه الآية صنفاً من الآيات ونوعاً من التفسير يصلح
لأن نفسره في السياق ويصلح أن نفسره في الاستقلال، وهذه واحدة من تلك الآيات التي يمكن أن نفهمها في سياق الآيات وسباقها ويمكن أن نفهمها وحدها. وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم يقل منكم وعلى ذلك فوعد الله هذا يشمل كل من آمن به وعمل صالحاً عبر التاريخ من أتباع الأنبياء وحتى من أولئك الذين آمنوا ولم تصلهم أخبار الأنبياء من أهل الفترة فإن هنا جعل
الله الأمر عاماً ووعد كل من آمن به سبحانه. وتعالى وقرن هذا الإيمان بالعمل الصالح سواء أكان من أتباع الأنبياء وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو لم يكن كذلك بأن كان مؤمناً بالله يعمل صالحاً لم تصله أخبار الأنبياء عبر التاريخ. ولقد رأينا في مؤلفات المصنفين وأدب الأدباء وشعر الشعراء هذا المعنى، رأينا إيماناً بالله ورأينا عملاً. صالحاً ولكن رأيناه مع أتباع الأنبياء
ورأيناه مع غير أتباع الأنبياء. فالله سبحانه وتعالى جعل هذين الأمرين مقياساً لرضاه: الإيمان والعمل الصالح. "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". بعض الناس عندما ينظر إلى هذه الآية "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" يتبادر إلى ذهنه المسلمون فقط. ودين المسلمين وهو يُربي المسلمين ويؤهلهم لأن ينفتح قلبهم للعالمين، حتى من بداية الصلاة: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله رب العالمين"، لا، ليس رب المسلمين. الذي في الفاتحة "رب العالمين"، اليوم وبالأمس وغداً، المسلم وغير المسلم. لقد كان من الممكن أن يجعلها "رب المسلمين"، أي الذين أسلموا له. وخضعوا له وامتثلوا أوامره إلى آخره وآمنوا بسيد الكونين صلى الله عليه وسلم، لكنه يهيئ عقلك ووجدانك ويفتح قلبك لأن تكون مهيأً للتعامل مع العالمين. الحمد لله رب العالمين، ومن هذا ومن غيره، يعني لو تأملنا هذه الفاتحة التي يكررها المسلم، تجد أنها
لم تميز بين الرجال والنساء، وفي... صلوات بعض الأديان: الحمد لله الذي خلقتني ذكراً. حسناً، وبعد ذلك، أريد أن أفهم كيف تصلي المرأة عندهم. ليس لدينا مثل هذا، عندنا النساء والرجال يقفون في جماعة واحدة ويقولون: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين". حسناً، هذا وهو يقول له: "الحمد لله الذي خلقني ذكراً". إنها مشكلة إلى تأويل تحتاج الأمر، فما قولكم في النساء؟ فإن هناك من لا يصلين، وهذا ما تقوله بعض المذاهب، يقولون إن النساء لا يصلين، وإنما الرجال فقط هم الذين يصلون، وحتى الرجال لا يصلون إلا عند
بلوغهم الأربعين فقط، وحتى عندما يبلغون الأربعين، يجب أن يأذن لهم سيد الطائفة. توجد مثل عندما تقرأ الفاتحة ستجد أنها نسق مفتوح وأنها تشمل كل الناس من الرجال ومن الجن، بل إنها تربي عقل المسلم على أن يؤمن بالماضي وأن يؤمن بالحاضر وأن يؤمن بالمستقبل وأنه ليس بيننا وبين العالمين إلا الإيمان والعمل الصالح وعمارة الأرض، لهم مغفرة وأجر. عظيم، وإلى لقاءٍ آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.