سورة المائدة | حـ911 | 10 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى آية من الآيات التي تصلح أن تكون لها الدلالة الاستقلالية وأن تُفسَّر في السياق والسباق، وهذا النوع من الآيات سبق في حلقة ماضية أن... عالجنا واحدة منها واليوم مع قوله تعالى: "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم". فهذه الآية يجوز أن نفسرها
مع ما قبلها في سياقها لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نقوم لله وأن نكون شهداء بالقسط وأن نعدل، ثم وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مطلقاً من المسلمين وغير المسلمين بالمغفرة. والأجر العظيم، وهنا لو ربطنا هذه بما سبقها فإنه أيضاً من باب الترغيب والترهيب، من باب بيان الثواب والعقاب، من باب الأمر والنهي، فإنه سبحانه وتعالى يقول: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا، كفروا وأفسدوا، كفروا
ورفضوا وعادوا كلام الله سبحانه وتعالى. هناك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهنا كفروا وكذبوا بآياتنا، أولئك. أصحاب الجحيم نعوذ بالله من الجحيم، إذًا هذه الآية يمكن أن تُفسَّر أن الذي لا يقوم بالعدل وبالقسط والذي لا يقوم أيضًا بالشهادة لله فإنه يكون قد كفر وقد كذَّب، والكفر والكذب كلاهما منهي عنه من عند الله سبحانه وتعالى، ويمكن أن تكون مستقلة
عامة يتكلم فيها ربنا عن كل. الذين كفروا سواء أكانوا من أولئك الذين رفضوا ما تقدم أو كانوا لم يستمعوا إليه ولم يروه ولا يعرفون عنه شيئاً لكنهم كفروا بالله رب العالمين، فإن قضية هذا الكون هي أنه مخلوق لخالق، وهذا هو الفاصل بين أهل الأديان وأهل الإلحاد. أهل الإلحاد قالوا: اتركونا وشأننا نفعل ما نشاء. بعقولنا لا علاقة لنا بأننا مخلوقون لخالق، بل إننا لا نؤمن بهذا الخالق. وأهل الأديان قالوا إن هناك خالقاً.
الإسلام أعلنها صريحة مدوية أن هذا الخالق واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأنه هو الرزاق، وأنه هو العليم، وأنه هو المريد لا ريب. لإرادته سبحانه وتعالى وجلس القرآن يصف ربنا سبحانه وتعالى بما لم يصفه كتاب قط، فوصفه بأكثر من مائة وخمسين صفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصف ربنا بأكثر من مائة وستين صفة، وما ورد في الكتاب والسنة من أسماء الله الحسنى أكثر من مائتين وعشرين صفة تبين لك.
وتجيب على كل ما يخطر في ذهن الإنسان من تعبُّد، نعم نحن نعرف من نعبد، ومن عرف ربه عرف نفسه، ومن عرف نفسه عرف ربه. فلو عرفنا أنفسنا بأننا مخلوقون، بأننا من المخلوقين، عرفنا ربنا بأنه هو الخالق لنا. بداية فهو الأول لا بداية له، ولنا نهاية فهو الآخر نهاية له علمنا محدود محصور لكنه هو العليم، إرادتنا قاصرة على اختيارنا وقدرتنا لكن قدرته وإرادته لا نهاية
لها. والفرق بين الاسم والصفة أن الاسم علم على الذات والصفة معنى قائم بالذات، فعندما سمينا صفاته سبحانه وتعالى أسماءً: عليم، حليم، حكيم، عظيم، هذه كلها صفات، فلماذا نسميها أسماء الله؟ الحسنى قال لأنها بلغت إلى الغاية والمنتهى الذي لا مزيد عليه بحيث لو أُطلقت انصرف الذهن إليه سبحانه. مَن الرحمن؟ الله. على هذا الشوق الذي هو دائماً. والرحيم مَن؟ الله. والعليم مَن؟ الله. فهي أسماء، فما هو الاسم؟ علامة على الذات، هذا تعريفه. حسناً،
ولكن هذه معانٍ قائمة في... الذهب هذه صفات صحيح هي صفات لكنها بلغت إلى المنتهى إلى النهاية إلى ما لا شيء وراءها، فلما أُطلقت انصرف الذهن إليه سبحانه، ويبقى على ذلك كان اسمه الله، ولذلك بعض الناس يقول ما هو اسم الله الأعظم؟ إنه الله، حتى هذه الصفات مريد أو قدير أو عظيم يمكن أن بها بعض المخلوقات ولكن يجب أن تكون مقيدة ولا بد ألا يذهب ذهنك إليها. عندما أقول لك "كريم"، نعم هذا ربنا، لا، نقصد الولد كريم وقد سميناه كريم. هذا الفرس نسميه كريم، نعم، ولكن هذا شيء
مختلف. يعني مثلما نحن مؤمنون هكذا، مؤمن والله مؤمن بنص القرآن. كل فرق كالطود العظيم، البحر هكذا عظيم، نعم ولكن هذا يلزمه التقييد، ذهنك لا يذهب بعيداً. نعم نحن خارجون من المسجد هكذا ونقول: "يا كريم"، يعني: "يا رب". وكان السادة النقشبندية عندهم إذا سمعوا أحداً يقول: "يا كريم" أعطوه شيئاً فوراً، يُخرج ما في جيبه ويعطيه له يعني. كأنه يا كريم يعني ماذا يطلب؟ ماذا يريد؟ فقد كان هناك شيخ وتلميذه صاعدين، فقال التلميذ: "يا كريم" هكذا، أي ذكَرَ الله، فأخرج
له الشيخ نقوداً من جيبه وأعطاها إياه، فقال له: "ما هذا؟" فأجابه: "إن الذي يقول عندنا 'يا كريم' فلا بد أنه محتاج إلى نقود، فنعطيها له حتى هكذا يا كريم، فإذا لا بد علينا أن نعيش مع أسماء الله لأن الله وصف نفسه بما فيه الكفاية. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.