سورة المائدة | حـ912 | 11 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ هنا يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بمقتضى الإيمان "يا أيها الذين آمنوا"، ومعنى أنك مؤمن أنك آمنت بالله وبكتبه ورسله واليوم
الآخر والقدر خيره وشره وكتب الله ووحيه إلى أنبيائه. ولذلك فأركان الإيمان ستة، وفي حديث جبريل المشهور الذي تعرفونه أنه دخل فسأل رسول الله ما الإيمان، ما الإسلام، ما الإحسان. فلما سأله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. الإيمان يا الذين آمنوا، أنت آمنت بالله، ولما آمنت بالله، آمنت به معروفاً معلوماً
مدلولاً عندك في ذهنك بما وصف الله به نفسه. أسماء الله الحسنى تعرفها جيداً جداً حتى لو لم تطلع على... ذاته فإن التفكر في ذات الله إشراك والله كل ما خطر على بالك فالله بخلاف ذلك فالرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق مسألة واضحة لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إله خالق رازق محيي مميت بيده
الملك بيده ملكوت كل شيء الدنيا والآخرة الظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير وهو بكل شيء محيط وهو بكل شيء عليم واضح. لا أحد يستطيع أن يقول لنا إنكم تعبدون شيئاً غير واضح. لا، والغريب العجيب أنه واضح في أذهان كل الناس من المسلمين، عالمهم وجاهلهم، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، البدوي والحضري، الكل. ليس سرٌّ في ديننا إنما كان بين العبد وربه من استجابة الدعاء من النعم المتتالية فهي سرٌّ
بين العبد وربه، ولكن لا يوجد سرٌّ في المعلومات، فنحن نطبع المصحف ونضعه في كل مكان، ومن يريد أن يترجم معانيه فليترجمها، واضح أن كتبنا موجودة في كل مكان، وليس عندنا كتب محظورة مخفية ليس لدينا أسرار يعرفها علماء الدين ولا يعرفها العامة أبداً. لا يوجد. في بعض الأحيان يقول لك: "لا تخبر الناس بهذه المسألة حتى لا يرتبكوا". حسناً، إذاً لمن أقولها؟ لطلبة العلم؟ هل أقولها لطلبة العلم؟ هل طلبت العلم علناً هكذا؟ نعم، علناً. فهي ليست سراً. أنا خائف فقط من أنهم الوقت لا يسمح بأن أشرحها جيداً، ولذلك أكتبها وأكتب فيها كتاباً وأنشره. لماذا شرحتها جيداً؟ ها هو، لا توجد أسرار،
لا يوجد شيء خفي. وهنا يقول: "يا أيها الذين آمنوا"، فما مقتضى الإيمان؟ مقتضى الإيمان وقد آمنت بالله أن تقوم حيثما أرادك. هذا هو مقتضى الإيمان، أن تفهم عنه سبحانه خَلَقَ هذه الدنيا خَلَقَها لِعبادته، وما خَلَقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعبُدون. فينبغي عليك أن تقوم بهذا: أولُ العبادة الذِّكر، "فاذكُروني أذكُركم واشكُروا لي ولا تَكفُرون". وثاني العبادة الشُّكر، وثالثُ العبادة الفِكر،
ورابعُ العبادة أن تكون حيثما أَمَر. الأمرُ عبادةٌ لها خطوات، ها هي أوَّلُها: أن لا يزال لسانُك رطباً. بذكر الله الذكر ثم بعد ذلك الشكر فقال يا أيها الذين آمنوا اذكروا. سيذكرون هنا. لو سكتنا هكذا يكون الذكر "اذكروا نعمته" فيكون الفكر. أنت منتبه للتركيبة: ذكر فشكر ففكر فأمر. إذاً أمامنا الذكر "اذكروا"، "اذكروا نعمة" فتكون
النعمة جلبت الشكر، واذكروا النعمة تجلب الفكر، اذكروا نعمة الله. عليكم لا بد من أن تقول الحمد لله تشكر، وكلمة الحمد لله كلمة عظيمة، الألف واللام فيها للاستغراق، ومعنى الاستغراق أن ترفع الألف واللام وتضع كلمة كل، حمد لله، هكذا هو، كل حمد لله. وقد تكون الألف واللام للجنس، جنس الحمد، يعني الحمد على أي نوع من الأنواع جنسه.
المادة الخاصة به هي لله، أي عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر الناس لا يشكر الله"، معناها أنك إذا قلت لأحد ممن قدم إليك معروفاً "شكراً"، فأنت تشكر الله، لأن جنس الشكر والحمد هو مختص بالله، فإما الاستغراق - كل أنواع الحمد لله - وإما للجنس أيضاً كل أنواع الحمد لله ولله الحمد، فالحمد لله يعني مختص بالله أو هو مِلْك الله سبحانه وتعالى. إذا كان من حادث فاللام هنا إما أن تكون للاختصاص وإما أن تكون
للمِلْك، أي في مكان الإضافة. وفي كل الأنواع فإنها كلمة شاملة عجيبة غريبة خفيفة تجعلك ممتثلاً للأمر، وتذكرك بنعمة واشكره وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ولذلك لا حول ولا قوة إلا بالله على قدر المستطاع اذكروا نعمة الله عليكم، أي متلبسة بكم، أي فوقكم، أي أنتم غارقون فيها، غارقون في نعمة الله إذ هم قوم، هم قوم، هذه مرتبة
من مراتب القصد عند الإنسان المرتبة. الأولى أن تأتي في ذهني صورة شيء وتنصرف، أي شيء، افترض مثلاً أتتني صورة الكعبة مثلاً ومرت في ذهني هكذا وانصرفت، فهذا يسمونه الهاجس. وافترض أن جاءت صورة الكعبة ووقفت هكذا في ذهني، لا يوجد أي شيء، ذهني لا يفعل شيئاً، لكنها وقفت هكذا، فهذا يكون خاطراً. فعندما... وقفتُ فترة طويلة وابتليت بالتفكير كثيراً في عقلي: "يا الله، لماذا أرى الكعبة؟ أريد أن أذهب إلى الكعبة. يا رب، أتمنى أن أذهب إلى الكعبة.
ولكن متى؟ هذا الشهر؟ لا، أنا مشغول هذا الشهر. ربما يكون الشهر القادم أفضل، أم أن هذا الشهر أفضل؟ ها!" إنه حديث النفس، فيصبح رقم المرتبة الرابعة هي أن أميل إلى أن أذهب هذا الشهر، فيكون ذلك همّاً. وبعد ذلك المرتبة الخامسة هي أن أنوي ذلك، ثم ذهبت وقطعت التذكرة وحصلت على التأشيرة، فيصبح هذا الأمر عزماً مؤكداً. مراتب القصد خمس: هاجس، ذِكر في الخاطر، حديث النفس، استماع، ثم همّ، فعزم. كلها مرفوعة باستثناء الأخير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته