سورة المائدة | حـ914 | 11 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ914 | 11 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم"، فهناك قوم هموا بمعنى أنهم قد حدثوا أنفسهم بالقضاء على... المسلمون وترددوا في ذلك، فمنهم من قال لا يمكن أن تصلوا إلى هذا وهم أصحاب شوكة وقوة. وهنا علَّمنا ربنا سبحانه وتعالى القوة
الرادعة عن الشر: "ترهبون به عدو الله وعدوكم". فعندما يسمع العدو أنني قوي، يمتنع عن شر الاعتداء. فقوتي ليست قوة عدوان ولا طغيان ولا اعتداء، إنما... قوتي من أجل أن يرهب وأن يمتنع وألا يعتدي علي، تسمى قوة الردع في العلوم الحديثة العسكرية، يسمونها قوة الردع ويسمونها توازن القوة. قوم يسمحون للباكستان أن يكون لديها قنبلة ذرية لأن الهند لديها قنبلة ذرية. قوم ماذا يحدث؟ توازن
وردع، لا أحد يضرب الآخر لأن الذي سيضرب الآخر سيضربه. فيحسبُ ألفَ مرةٍ، وإذا لم يكن لديه، فلا يضربه ولا يهتم به. ولذلك لا بد من قوة الردع حتى يحدث توازن. هذه نظرية ربنا هو الذي أخبرنا بها: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". ولكن انظر كيف أن العدو الخاص بنا قبل الأمر الذي بيننا وبينه هو الله، أي أننا لا توجد بيننا وبينه مصالح نتنازع عليها. إن ما بيننا وبينه هو أنه يريد أن يفسد في الأرض ونحن نريد صلاح الأرض، وأننا نريد الناس أن تعبد رب العباد وهو يريد
أن يكفر برب العباد، وأننا نريد حماية الإنسان وهو يريد القضاء. على الإنسان الذي بيننا وبينه مسألة في سبيل الله، هذا هو الفرق بين قوتنا وبين قوة الآخرين. نحن نعتز بقوتنا، والمؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، حتى المؤمن الضعيف خير من الكافر. لكنه مع هذا، ربنا يحب منا القوة، لكنها القوة المؤمنة التي تخضع أوامر الله وفقاً لما يريد الله وألا تنحرف عن ذلك وإلا صارت كأي قوة غاشمة فاجرة طاغية تريد الفساد في الأرض. ما الذي يميزنا عن غيرنا؟ إنه الله. فإذا انسحب الله من حياتنا كنا
نحن وهم سواء، ولنرَ بعد ذلك من الذي سيغلب. اللهم لا تَكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين من ذلك أنه لو سُحِب الله من حياتنا لأصبحت الحكاية بلا معنى، ولأصبحنا نرى مَن هو القوي ويغلب القوي الضعيف وانتهى الأمر. لكن "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ". "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ"، يعني حيث، يعني في الوقت الذي، إذ حيث أنهم قوم أحدثوا. أنفسهم أن يبيدوكم وأن يبسطوا أيديهم ويستأصلوا أصلكم ويحطموكم
تحطيماً، ثم بعد حديث النفس وصل الأمر إلى القرار وإلى الميل وإلى الهم، حتى وإنهم إن لم يعزموا عزماً مؤكداً بعد، إنما هموا لما هموا، والقلوب بيد الله، قال: "والقلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كيف يشاء". الليل والنهار في القلوب. سُمي القلب قلباً لأنه يتقلب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء. واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه. فإذا هؤلاء
القوم مالت قلوبهم، أي مال فكرهم، أن يحاربوكم وأن يقضوا عليكم، وبعد ذلك عندما حدث هكذا، ماذا حدث؟ إذ همَّ قومه أن يبسطوا إليكم فكفَّ أيديهم وجعلهم يغيرون رأيهم، فمن الذي قلب هذه القلوب؟ إنه الله. ولو كان الرب تركهم على ما هم عليه لكانوا قاموا قومة رجل واحد لكي يقتلوكم جميعاً. ما الذي صرف قلوبهم؟ إنه الله. فلما صرف قلوبهم
صرف أيديهم، وكفَّ أيديهم، وأبطل أيديهم. واليد تُطلق في لغة العرب على هذه. اليد الجارحة وعلى القوة والسماء بنيناها بأيد يعني بقوة وإنا لموسعون قادرون على أن نوسعها بالقوة، فاليد تُطلق ويُراد منها القوة، وتُطلق ويُراد منها البطش، وتُطلق ويُراد منها الجارحة التي لنا، اليد التي لنا. فهو كف أيديهم يعني كف سلطانهم وقوتهم وليس أيديهم هذه، لأننا لم نر هؤلاء الكفار. وأيديهم شُلَّت، لا، ليس هكذا، فأيديهم
هنا يجب أن نقول عنها إنها قوتهم، سطوتهم، سلطانهم، سلاحهم، فكرهم الذي كانوا قادمين به لكي يقضوا علينا. فكف أيديهم عنكم يستوجب الشكر أم لا؟ ما الذي غيَّر رأيهم؟ يعني ما الذي لم يجعل الهمَّ يتحول إلى نية فيتحول إلى سلوك؟ ما الذي جعلهم يقفون عند الهم فقط ثم ينسحبون وينسون ما هنالك. الله إذاً، فالله صاحب الفضل أن صرفهم عنكم. واتقوا الله، فكلما اتقينا الله، كلما صرف ربنا سبحانه وتعالى عنا البلاء. وأنا لا أعرف لماذا الناس كلما نقول لهم
إن تقوى الله تصرف البلاء، لا يقتنعون. لماذا الإيغال في المادية ولا أعرف لذلك سبباً؟ يعني عندما يأتي وباء، وبعد ذلك نقول: لا، إن شاء الله، تقوى الله تحمينا، الدعاء إن شاء الله، ربنا يصد عنا هذا ولا يأتينا هذا الوباء، ويقول: ما للدعوة وما للوباء! حسناً، ماذا تريد؟ ألست تريدنا أن ندعو ولا تريد الوباء أن لكي نقيمه لكي تشتم الحكومة! هل كانت الحكومة هي التي أحضرته؟ أم ماذا تريد؟ قال: لا، تهتم بأي شيء مدني، لا تهتم بأي شيء مدني. ما هذا المدني؟ الصحة؟ فدع الناس من حولها وبقوتها تقاوم الوباء، لكن أنتم لا تذكروا ذلك أبداً.
عن الوباء، اللهم اصرف عنا الوباء والغلاء والعقول المتحجرة والقلوب القاسية، اللهم اصرفها عنا جميعاً يا رب العالمين، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.