سورة المائدة | حـ917 | 12 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ917 | 12 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يبين لنا عناصر ميثاق بني إسرائيل الذي واثقهم به: "لإن أقمتم الصلاة" أولاً، "وآتيتم الزكاة" ثانياً، "وآمنتم برسلي" ثالثاً، "وعزرتموهم" أي أيدتموهم ونصرتموهم. نصرة الرسل قد تكون في حياتهم بالدفاع عنهم
بعد الإيمان بهم، وحمايتهم من أقوامهم، وقد تكون أيضاً بتنفيذ شرعهم بامتثال أوامرهم، وقد تكون أيضاً بعد رحيلهم إلى ربهم وذلك بحفظ كتبهم وسنتهم وسيرتهم. والحمد لله، وفق الله المسلمين من غير حول منهم ولا قوة، إنما هو بفضل الله تعالى. وحدهُ في أن أقامهم لحفظ كتابه ولحفظ سنة نبيه ولحفظ سيرته بطريقة لم تكن ولن تكون لأحدٍ من البشر طراً
مِن لَدُنْ آدم وإلى يوم الناس هذا، لا مَلِكٌ مَلَكَ ولا إمبراطور ولا شاعر ولا أديب ولا عالم ولا نبي ولا ولي حُفِظَ تراثه هذا الحفظ الذي حُفِظَ به. تراث النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الميراث القرآن، حفظه الله سبحانه وتعالى، فحفظه الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والعربي والأعجمي، كلهم يحفظونه. وهو كتاب واحد، بالغ فيه المسلمون في حفظه مبالغة شديدة. معلوم أن كل كتاب إذا ما طُبع حدث فيه من الخطأ المطبعي
ما الله به عليم. وعندما جاء محمد علي باشا وافتتح في سنة ألف وثمانمائة وواحد وعشرين المطابع الأميرية، جمع العلماء وقال لهم: سنطبع المصحف الشريف في هذه المطابع". فخاف العلماء كثيراً، فهذا كتاب نكتبه حرفاً ونضع نقاطه نقطةً نقطةً ونشكله فكيف يكون ذلك في مطابع قد تُقدِّم أو تؤخر. أو تحذف أو تضيف أو يحدث أي خلل لا نعرف معناه ولا مبناه، وظلوا في معالجة الأمر، هم يرفضون وهو يطمئن قلوبهم بأن
خروج المصحف من المطبعة سيكون كخروج المصحف من يد الكاتب الحافظ سواءً بسواء، وأنه يدافع عن كتاب الله كما هم يدافعون، وأنه يحب الكتاب كما هم يحبون. وهم يأبون عليه هذا أبداً. استمر هذا الحال أكثر من عشرة إلى خمسة عشر سنة وهو يجادل العلماء، والعلماء يجادلونه ويتهربون، يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، حتى أنه تجرأ فطبع المصحف، طبع منه مائتي نسخة. فلما طبع المصحف غضب العلماء غضبة شديدة وقالوا له: "أرنا
ماذا فعلت! هذه مصيبة سوداء! كيف وهو يقول لهم: "يا جماعة، لا بد أن نخطو هذه الخطوة. طباعة المصحف أمر طيب". وهم يتخوفون من شدة حفظهم وعنايتهم بكتاب الله. فوجدوا فيه تقريباً في كل صفحة خطأً، في كل صفحة خطأً. فبكى محمد علي، هو كان يقصد الخير، لكنه والله! حسناً، وبعد ذلك صادر المائتي نسخة وأقام العلماء وقال لهم تفرّغوا لي الآن، دعوا الدرس وغيره من أي شيء، وأغلقوا كل ذلك. تعالوا الآن إلى المائتي نسخة التي قمنا بتحريفها، وجلسوا يصححون المصاحف كلمة كلمة
وحرفاً حرفاً، ونقطة نقطة، وشكلاً شكلاً. وقد تكلف هذا حينئذ من ميزانية الدولة مائتي جنيه ذهب، وليس ذلك خسارة في سبيل أمر مستقر. وهو الحفاظ على هذا الكتاب آمنتم برسل وعزرتموهم، وهذا من النصرة والتعزيز للرسل ومنهم سيدنا محمد الذي قامت الأمة بحماية كتابه. دعوه يفعل ذلك، هم صححوا المصحف بشكل تام وشكّلوا لجنة منهم لأنهم أصبحوا معتادين وعرفوا كيف يطبعون الطبعة الثانية خالية من
الأخطاء، فطبعوا الطبعة الثانية فكانت أخطاؤها أقل. بكثير فطبعوا الطبعة الثالثة فانعدمت الأخطاء، ولا يخرج مصحف إلا بعد مراجعته من اللجنة من أوله إلى آخره إلى يومنا هذا. في مجمع البحوث الإسلامية، لجنة المصاحف تقرأه حرفاً ولا تسمح بخطأ واحد، وهذا المصحف طباعة مصحف الملك فهد يُرى فيه من العناية ما فيه خَطأ ليس هناك شيء اسمه خطأ واحد في المصحف. فالمصحف يحتوي على ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألف
حرف، فعندما يكون الخطأ واحداً في كل خمسة آلاف، واحد في كل خمسة آلاف، يعني أنه سيوجد فيه ستون أو سبعون خطأً. لا، ليس هناك خطأ واحد من خمسة آلاف، ولا من عشرة آلاف، خمسة وسبعون ألف حرف بلا خطأ، فالحمد لله الذي وفقنا لأن نعزر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه، وهو الذي قال: "الدين النصيحة"، قالوا: "لمن يا رسول الله؟"، قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". "وعزرتموهم" العنصر الذي بعد ذلك: "وأقرضتم الله قرضاً حسناً" القرض الحسن تقرضونه. وما أنت
تريد زيادة فأنت تُقرِض الله ولا تلتفت للأجر والثواب بل لرضا الله، يعني الحسن يأتي من أين؟ الحسن يأتي من أنك تفعل هذا لأجل الله، لوجه الله، لأجل الله، لوجه الله. فهذا هو القرض الحسن، لا تريد جزاءً ولا شكوراً، فإذ بالله يعطيك عن كل عمل حسن عشرة، لا تلتفت بقلبك، أنت تفعل هذا مخلصاً لله وهو الذي يجازيك، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.