سورة المائدة | حـ919 | 13 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو يتكلم عن بني إسرائيل، ولكنه يوجه الأمر إلينا إلى يوم الدين ويجعلها قاعدة عامة لمن وفى بميثاقه وعهده أو من نقض ذلك الميثاق. وخالف ذلك العهد، قال تعالى عنهم وهو يلفت أنظارنا إلى ألا نكون أمثالهم وأن نحافظ على ميثاقهم وأن نحافظ على ميثاق الله الذي واثقنا به وعلى عهده الذي عاهدناه: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا
قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة". منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين. فبيّن لنا أننا ونحن من أمته صلى الله عليه وآله وسلم وأنه سوف يفاخر بنا الأمم يوم القيامة كما قال في حجة الوداع: "إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، يعني سيفاخر
بنا الأمم يوم القيامة، فلا تسودوا وجهي ووجهه. أزهر مضيء أنور صلى الله عليه وسلم، لكنَّنا ينبغي أن نحفظ حرمته فينا، وألا نسبب له ذلك الضيق الذي سوف يشعر به إذا ما اطلع على مصائب تفعلها أمته. فينبغي علينا أن نقوم بالميثاق، وألا ننقض العهد، لأن الذي ينقض عهد الله وينقض ميثاقه يلعنه الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، وإذا نقضنا
نحن ميثاقنا سيتركنا، أو أنه نبّهنا إلى أنه إذا نقضنا ميثاقنا فإنه سيغضب علينا وستنالنا لعنة منه سبحانه وتعالى. ربنا لا يظلم أحداً وما يظلم ربك أحداً، ولذلك فهو يربينا بذكر المثال، يذكر لنا حال الأمم السابقة، هكذا لم يقل لنا سألعنكم حتى لا تكون قليلاً على قلوبنا ونحن من اللعنة فررنا، إنما يقول
لنا لعنتهم لما نقضوا ميثاقهم. ماذا يعني هذا؟ يعني إياك أن تنقض ميثاقك. وما هذا الميثاق الذي بيننا وبين ربنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر". ومن رقة قلبه علينا قال: ولم يقل فهو كافر فقد كفر، وكلمة كفر فعل، والفعل لا يفيد الاستمرار والثبات بل يفيد التغير والتجدد، ولذلك كان أهون من الاسم.
كفر أهون قليلاً من ماذا؟ كافر. فكلمة "كافر" هذه تكون لاصقة به بشدة هكذا، فيكون كافراً وهذا حق وحقيق، لكن "كفر" لا، أي يمكن أن يكون قد أعمال الكفر صدرت منه مصيبة منه، ولذلك ترك الصلاة كبيرة مصيبة عظيمة فيها نقض للميثاق المستوجب للغضب الذي يتلوه حلول اللعنة. العاقل خصيم نفسه، نحن لا نتدخل مع الإنسان في حياته ولا في علاقته مع ربه، ولكن الدين النصيحة، نقول له: كل
واحد منا يحاسب نفسه، حاسبوا أنفسكم قبل أن. حاسبوا أنفسكم، حاسب نفسك وراجعها وانظر هل أنت تصلي أم لا. إذا كنت تصلي سنأمرك بأوامر أخرى، فهذا يعني أن الكأس معك وسنعرف كيف نرسلك إلى الصنبور لتملأ كأس ماء. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، فالصلاة ستدفعك إلى ترك الفحشاء، وإذا لم تدفعك إلى ترك الفحشاء راجع نفسك لأنك قد أخللت بالميثاق، وإذا لم يدفعك ذلك لخدمة الناس فلا بد عليك أن تراجع نفسك لأنك
قد امتلكت الكوب ولم تمتلك الماء الذي يرويك. فهذه مسألة تحتاج إلى مراجعة النفس، فالميثاق فيه مراجعة للنفس. يقول لي أحدهم: "لا، ما هم يصلون ويسرقون"، وأنا مالي بأنهم يصلون ويسرقون؟ قال لي: لا، لأجل ذلك لا أصلي. قلت: إذن أنت سينزل عليك غضب الله ولعنته. قال: يعني الصلاة نفعت بماذا هؤلاء الناس؟ قلت له: إنها خطوة، وأنا عندما أقول لك امشِ في طريق الإسكندرية، ومشيت عشرة كيلومترات ولم تصل إلى الإسكندرية، أيكون الخطأ في أنك مشيت عشرة كيلومترات أم الخطأ أنك توقفت، كان
يجب عليك أن تستمر. فالذي يصلي ولا يفعل الخير كان يجب عليه أن يستمر ولا يحكم على صلاته بالبطلان، وينبغي ألا يتوقف عن الصلاة. لم يقل أحد من العقلاء هذا الكلام. نحن يجب علينا أن نصلي ونفعل ما بعد الصلاة من الخير، لا بد أن نأمر لا يصلي؟ ماذا فعل في نفسه؟ أمر بالمنكر ونهى عن المعروف لأنه أمر نفسه بترك الصلاة، فحرم نفسه من كل شيء. يقول لك: "لكن الذي بيني وبين ربنا عامر". كذبت! لو كان الذي بينك وبين الله عامراً من غير صلاة، لما فرض عليك هذا. أنت
كاذب، تكذب على نفسك وتكذب الصلاة عماد الدين، لا فائدة بدونها، والصلاة هي الميثاق. "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم". ماذا تفعل اللعنة؟ اللعنة هي الإبعاد، تُبعِد عن مَن؟ عن نظر الله. حسناً، وربنا هذا ما اسمه عندنا؟ أول ما نبدأ نقرأ القرآن أو نفعل أي شيء، ماذا نقول؟ "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا هو الذي نعرف بسم الله الرحمن الرحيم، أخونا أصبح بعيداً عن الله الرحمن الرحيم.
من اللعنة أصبح بعيداً عن الله الرحمن الرحيم. فماذا يحصل له؟ تُنزع من قلبه الرحمة. فعندما يكون محل نظر الله الرحمن الرحيم، يتحرك قلبه ويصبح فيه رحمة. وعندما تُنزع منه الرحمة، "وجعلنا قلوبهم قاسية"، فكانت اللعنة. يلزم منه قسوة القلب كيف بالبعد عن الله الرحمن الرحيم؟ فاللعنة تبعده عن الله. ماذا يحدث لو ابتعد عن الله الرحمن الرحيم؟ قسوة القلب. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.