سورة المائدة | حـ920 | 13 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، يحكي لنا ربنا سبحانه وتعالى قصص الأمم التي قبلنا حتى نتعظ منها، وحتى تكون لنا عبرة، وحتى نسير في هديها بهداية الله سبحانه وتعالى، ويحكي لنا "فبما نقضهم". ميثاقهم لعناهم فنخاف أن ننقض ميثاق الله سبحانه وتعالى حتى لا نتعرض إلى لعنة الله. كثير من المسلمين تعرضوا للعنة الله لأنهم تركوا ما أمر الله به
فنقضوا ميثاقه. فإذا ما نُقض ميثاق الله ونزلت لعنته وغضبه لم يعد العبد محلاً لنظر الله سبحانه وتعالى. نسوا الله فخرجوا من دائرة. محل نظره وهو عليم بهم، هو لا يغيب عن إدارة هذا الكون طرفة عين ولا أقل من ذلك. إنما هم خرجوا عن نظر الله الرحمن الرحيم وليس عن علمه ولا عن قدرته ولا عن إرادته ولا عن حكمته، بل
ولا عن قلوبهم. وجعلنا قلوبهم قاسية، والقسوة هي الشدة والصلابة، ليس الليونة والليونة علامة الحياة. الليونة علامة الحياة. عندما ترى جسمًا حيًا وتراه وهو ميت، أو تضع شخصًا حيًا وبجانبه شخصًا ميتًا، تجد أن الميت يتصف
بصفات، أول هذه الصفات أنه متصلب هكذا، ليست فيه ليونة، ولذلك يتعبك في الغسل عندما تأتي لتغسله، تجده ماذا؟ جافًا ليست فيه ليونة. إذًا... هناك قسوة أي شدة، وضد القسوة هي الليونة. والليونة علامة الحياة. القسوة من الأمور التي تصاحبها البرودة، والليونة من الأشياء التي تصاحبها الحرارة. فالقلب القاسي قلب بارد، والقلب الحي
قلب فيه حرارة. سر الحياة هو الحرارة، لولاها ما غنى طائر، ولا تحنن قلب، ولا تثنى غصن. الحرارة هي سر الحياة. يقول لك حرارة الإيمان إنما الثاني هذا بارد وحتى ونحن نشتم الناس والعياذ بالله يقول لك يا أخي فلان هذا بارد بشكل بارد يعني أنه ليس عنده إحساس، بارد يتدخل فيما لا يعنيه والنبي يقول من حسن إسلام المرء تركه
ما لا يعنيه، بارد يحرجك دائماً هكذا ويريد يعني ما... ليس لديه خلق كريم، ومن لوازم القسوة الظلمة. تجد النور وحتى النار فيها حرارة وفيها ضياء، أما البرودة فهي تأتي مع ماذا؟ مع عدم وجود مصدر الحرارة الذي هو الشمس. لذلك يكون الليل دائماً أهدأ من ماذا؟ من الصباح الذي فيه هذه الحرارة. والله جعل ماذا؟ جعل النهار معاشاً. ولا جَعَلَ الليلَ هو الذي مَعاشًا، وجَعَلَ النهارَ أيضًا
مَعاشًا، لأنه في الحياةِ والليلِ سَكينةٌ، ومن لوازمِ القَسوةِ السُّكونُ والبَلادةُ. كلُّ هذا ماذا يعني؟ قَسوةٌ. ماذا تعني القَسوةُ؟ القَسوةُ تعني أنه لا توجدُ ليونةٌ في أشدِّها. القَسوةُ تعني أنه لا توجدُ حرارةٌ في برودةٍ. القَسوةُ تعني أنه لا يوجدُ نورٌ قسوة يعني في بلاده لا توجد حركة. طيب والحياة هذه هل أساسها الحركة أم أساسها السكون؟ أساسها الحركة لكي نحيا، ولذلك أمر الله في سننه الكونية
بأن يتدافع الناس بعضهم ببعض، "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض". لماذا؟ لأن أصل السكون والخمول هذا ليس أساس الحياة، بل أساس الحياة هو الحركة تكون إذا قسوة القلب مع الحياة أم ضد الحياة؟ ضد الحياة يعني أننا ننقض الميثاق الذي يلزم منه قسوة القلب. مع الحياة وليس ضد الحياة، فنحن نحب الحياة وديننا هذا في أعماقه هو الحياة. نحن لا نعادي الحياة وقد حذرنا
ربنا من معاداة الحياة لأن الإخلال. بميثاقه وعهده فيه عداوة لهذه الحياة. نحن نحب الحياة، ولكن نحبها في أيدينا وقلوبنا مليئة بحياة تعمر هذه الدنيا وتتشوق إلى الآخرة. فاللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا. هذا دعاء الصالحين. "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم
قاسية". ينتج من هذا ماذا؟ ينتج من قسوة. القلب وظلامه وموته وبرودته وبلادته وسكونه ينتج من ذلك أنهم يحرفون وينحرفون عن الصراط المستقيم وهو ما سنراه في حلقة قادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته