سورة المائدة | حـ923 | 13 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ923 | 13 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، ربنا سبحانه وتعالى يقول في شأن بني إسرائيل مقولة تدعونا إلى الالتزام بميثاقه وعهده، وتبين لنا الأمراض التي سوف تتلو عدم الالتزام وعدم التمسك بميثاقه وعهده، وما الذي. سيترتب على ذلك لكنه سبحانه وتعالى يعلمنا أيضاً شيئاً مهماً يزيد فيه ويكرره علينا حتى يصل إلى درجة الملكة الراسخة في النفس فينا وهو الإنصاف، وأنه
ينبغي علينا مهما رأينا من فساد وانحراف أن نكون منصفين وأن نصف الواقع على ما هو عليه، فيقول: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم". قاسية يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به، ولا تزال تطّلع على خائنة منهم دائماً ما داموا قد خانوا النقل وخانوا العقل، فإنك تكتشف مدى الخيانة كل يوم وكل جيل
وكل عصر. فعبّر الله بمخالفة النقل والعقل بالخيانة. خائنة، ولا تزال تطّلع على خائنة منهم، والخائنة هي خيانة. خفية لا يعترف بها صاحبها ففيها نوع من أنواع الستر والتكتم والإنكار، وهو كذلك، فهم لا يعترفون بأنهم قد خانوا النقل وخانوا العقل، ولكن يأتي الإنصاف بالرغم من هذه اللجة المظلمة، ظلمات بعضها فوق بعض، خيانة
في النقل، خيانة في العقل، خيانة في التبليغ، كان الناتج منها الدماء والحروب. النتيجة منها إنكار حقيقة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت النتيجة منها أن صوّروا الحق باطلاً والباطل حقاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، وكانت النتيجة منها أن أضلّوا الناس عبر التاريخ من أجل مصالح شخصية وأهواء قلبية، وكانت النتيجة منها أن ارتكبوا الكذب الصريح في حق الإسلام والمسلمين وفي حق نبينا الكريم ولكنهم أصبحوا بذلك حجابًا بين الخلق والخالق، مصائب
وفي النهاية دمار وحروب، نتائج سوداء يحاسبنا فيها ربنا. فلو أننا أنكرنا وزدنا في إنكارنا ليست علينا ملامة، لكنه مع هذا والإنسان قلبه كله قد اتقد نارًا مما يفعلون، يهدئ البال وينزل السكينة على قلوب المؤمنين وأمرهم وهم في هذا. الحال الحالك بالإنصاف فيقول إلا قليلاً منهم. حسناً، وما فائدة كونهم قليلين؟ قليل، ما هو
قليل. ليس مؤسفاً، لا، يجب أن نعطيه حقه. إنني حزين مغتاظ، دع عنك الحزن، لا تغضب ولك الجنة. إنني متغاظ، "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". إنني سأموت مما يقولونه. فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً. لا تذهب نفسك عليهم حسرات. ها كلها تقول ماذا؟ هدئ بالك، كن منصفاً حتى في الحال الحالك. إلا قليلاً منهم، يا إلا قليلاً منهم يسيرون بشكل
صحيح. إلا قليلاً منهم لن تجد عندهم هذه الخيانة. إلا قليلاً منهم لديهم. شيء من العدل. طيب، ماذا نفعل الآن؟ هذا هو الذي بدأ ودخل هكذا. هداني فقط، ولكن ماذا يعني أن تهديه؟ أي أن تطفئ النار التي في قلبه. قال: لماذا هذا الآن؟ حتى ترى ماذا ستفعل. أنا قلت: عندما سيقول لي لماذا هذا، سيقول لي بعد ذلك: اضربهم. لكن بماذا أضربهم؟ اضربهم واحداً أو شيئاً مثل ذلك. قاتلهم إذاً، قم.
قال لي بعدها: "لقد هداني إلى منتصف الطريق فاعفوا عنها". ما هذا؟ هكذا أنا أصبحت في المنتصف، إنها الآن تجعلني أقوم مرة أخرى. لا، إنه هداني أولاً كي يهديني بالكامل. قال لي: "فاعفُ عنك". عفوت عنهم. يا رب، إن الكون هو كونك ولا يكون فيه إلا ما أردت، "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم". فأنت حكيم، والكون هذا ليس ملكي، وليس لي شأن به. حسناً، نعفو عنهم ونصفح. الله!
ما هذا؟ فاعفُ عنهم. لا، ليس العفو كافياً. حسناً، ماذا أفعل؟ قال: اصفح. الصفح ماذا يقول إذاً؟ يأتي من صفحة الوجه أنك أدرت وجهك إلى الناحية الأخرى، العفو أنني لن أوقع به عقوبة، حسناً. وصفحة أنني أنسى أيضاً المصائب التي فعلتها. بعد ذلك كيف سأفعله؟ إذاً سيفعله شيئاً آخر. حسناً، وعندما أفعله جيداً هكذا، ألن يتملكني؟ لا، الله يهديه. على يديك قد كان فانتشر الإسلام، إن
الله يحب المحسنين، فاعفوا عنهم واصفحوا. لا عيب في إحسانهم، أحسن إليهم إن الله يحب المحسنين. إنها شيء عظيم، ما هذا؟ إنه دين من عند الله. هكذا الإنسان يغضب فقط، والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين يذكرون أن... كان الإمام الحسن أو الإمام الحسين يتوضأ والغلام الخادم يوضئه، فكسر الإناء (القلة) الذي كان يوضئه منه، فنظر إليه سيدنا
الحسن نظرة غضب، إذ كسر وعاء الماء وهو يريد أن يصلي. فالغلام كان فقيهاً بعض الشيء، فقال له: "والكاظمين الغيظ"، فقال له: "كظمتُ غيظي"، فقال له: "والعافين عن..." قال له الناس: "عفونا عنك"، وقالوا: "الله يحب المحسنين". قال له: "اذهب وأنت حر" لكي ننتهي. اللهم احشرنا معهم وانفعنا ببركاتهم وارضَ عنهم يا أرحم الراحمين. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.