سورة المائدة | حـ927 | 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير"، و"عفى يعفو عفوا" من الأضداد، والأضداد في... لغة العرب كلمة تُطلق ويُراد منها معنى ويُراد منها أيضاً وفي نفس الوقت ضد هذا المعنى، كلمة واحدة لكن لها معنيان. إذا كانت كلمة واحدة لها معنيان
وسكتنا، فيُسمى ذلك المشترك اللفظي. كلمة "عين" معناها هذه الباصرة التي نبصر بها، ومعناها أيضاً الحرف (حرف العين) أو البئر نسميه عيناً، فهذا مشترك، لكن الغريب أنها تكون كلمة واحدة ويكون لها معنى وفي نفس الوقت ضد هذا المعنى. مثل ماذا؟ قال لك كلمة في العربية اسمها "سليم"، ما معنى "سليم"؟ سليم أي صحيح. قال: لا، يمكن أن تكون "سليم" بمعنى مريض ويمكن أن تكون بمعنى صحيح. إذن كلمة "سليم" تُطلق
ويُراد منها مررنا على رجل سليم في الحديث، ما معنى سليم؟ الذي هو يعني رجل صحيح هكذا. قال: لا، إنه رجل مريض، فطلب منا أهله أن نعالجه. نعم، هو مريض إذن، خلاص انكشفنا. أن نعالجه يعني أنه مريض. فسليم معناها صحيح، وسليم معناها مريض. لماذا هكذا؟ قال: كانوا يطلقون السليم على المريض. استبشاراً يقول لك الله أنت بعافية، وكلمة العافية تعني القوة. "بعافية" معناها أنت مريض في حين أن كلمة "عافية" معناها القوة. فكيف
ذلك؟ نعم، هذا ما أقوله لك استبشاراً، أي إن شاء الله ربنا يعطيك العافية. وهم يقولون وهم سائرون: "تقعدوا بعافية"، "تقعدوا بعافية"، أي تقعدوا بقوة. أو يعني تصبحون على خير معناها هكذا: إذا هناك كلمات في لغة العرب تُطلق ويُراد منها المعنى وضده. من ضمن هذه الكلمات "عافة"، فالعافة ماذا تعني؟ تعني استئصاله واستيثاقه حتى لم يترك أثراً، يعني محاه محواً تاماً، أو تركه تركاً تاماً. فعندما
نقول "عفا الله عنك" يعني مسح. ومحا كل شائبة في صحيفتك، عفا الله عنك وهو سبحانه العفو. أتعني أن صفحتي بيضاء؟ عفا الله عنك، ماذا يعني ذلك؟ "عفا" هنا تعني محا ولم يترك شيئاً، محواً تاماً مثلما تُمسح الكتابة وتعود الورقة بيضاء. "عفت الديار من آثارها" تعني كان هنا مسجد، أين ذهب؟ قال: لا. ما تهدم منذ زمنٍ، حسناً
كان هناك بيت بجانب المسجد، قال لا، خلاص، لا تُزال في الطريق. عفت الديار، ماذا تعني؟ تغيرت الديار ولم يعد فيها أي علامة من التي كنا ننتبه إليها معاً قديماً. حسناً، عندما يقول النبي: "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى"، ما معنى أعفوا؟ يعني... اتركوها لله ولا العفو يعني أزيلوها. لا، كانت لحيته عظيمة تملأ صدره صلى الله عليه وسلم. إذا عفا هنا ما معناه؟ ترك تركاً تاماً. إذن كلمة "يا إما" تعني الترك التام أو تعني الاستئصال التام
والمحو التام. حسناً، "ويعفو عن كثير" هل سيترك كثيراً تركاً تاماً أم سيغير كثيراً تغييراً؟ تماماً، لو كان سيُغير فهذا يُسمى النسخ. "ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها"، ولو كان سيترك الحال على ما هو عليه فهذا يكون التأييد. وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاً من الرسل،
بل إنه جاء وأكمل البناء. قال: "مثلي ومثل..." مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً وترك مكان لبنة - يعني في طوبة نقص - فكان الذي يدخله يتعجب ويقول: ما أحسن هذا البناء لولا أن تم بهذه اللبنة - يعني ليته يأتي ويضع هذه الطوبة هنا فيصبح كاملاً مكتملاً - فأنا هذه اللبنة صلى الله عليه إنما
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ما جاء لينقض الناموس الذي كوّنه ربه على لسان أنبياء الله، بل جاء مؤيداً لها. يبقى يعفو قد يكون، ولأحل لكم بعض الذي حُرّم عليكم، كما قال عيسى لبني إسرائيل. ما ننسخ من آية أو ننسها كما قال ربنا لنبيه، وإما أن يكون من قبيل. التأييد حتى نعلم أن كل ذلك خرج من مشكاة واحدة وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مرسل من ربه كما كان عيسى قد أرسل من ربه وكما كان داود أرسل من
ربه وكما كان موسى قد أرسل من ربه ولذلك نرى معجزات تلخيص وإكمال لمعجزات كل الأنبياء ونرى سلوكه وتصرفاته تلخيص لسلوكيات كل الأنبياء صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.