سورة المائدة | حـ928 | 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ928 | 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"، والمقصود بالنور أو لعل المقصود منه عند جمهور المفسرين - ولأنه في نهاية الآية التي تتكلم إلى الكتاب أنه قد جاءهم رسولنا يبين لهم كثيراً مما عندهم فقد قال في أول الآية يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب أن هذا النور هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول
الله صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين موصوف بالنور ومواطن كان قلبه منيراً، قد أخلى الله سبحانه وتعالى منه نصيب الشيطان من البشر أو نصيب الرحمة التي تخص الشيطان. فلما شق الملكان صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزعا منه مضغة
وقالا: "هذه نصيب الشيطان". بعضهم قال: "هذه نصيب الشيطان"، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة كله. ودم رحمة فهو رحيم بالكل بما فيهم الشيطان إبليس الكبير، فهل يصح أن يُخرج الله سبحانه وتعالى الشيطان من رحمته وتبقى الرحمة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلقته على ذلك ولفطرته على ذلك بإزاء الشيطان فيرحم الشيطان؟ ماذا يحدث؟ تناقض، ولذلك الملك لما جاء أزال الرحمة التي في مواجهة هذا الشيطان المصيب، ذاك الرحمة الذي
ضد الشيطان، الذي بإزاء الشيطان، ولذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خلا قلبه من رحمة الشيطان كشأن الرحمن سبحانه وتعالى، فإن الله يرحم خلقه لكنه توعد إبليس بالعذاب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نور في الهداية ونور القلب حتى إن قلبه الشريف كان مستيقظًا دائمًا لا يغفل ولا يسهو، بل هو في حالة تعلق دائم بالله رب العالمين في الليل والنهار، في اليقظة والمنام، في الحل والترحال، في الأرض والسماء. ولذلك لما جاء
الملكان، قال أحدهما للآخر: "ما شأن هذا الرجل؟" قال: "هذا رجل نامت عيناه واستيقظ..." قلبُه فقلبُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في حالةِ يقظةٍ حتى عندما تُغمَض العينان باعتبارِ البشريةِ، فقد كان بشراً لكنه مُؤيَّدٌ من عند اللهِ ومُهَيَّأٌ من عند اللهِ لتلقي الوحي ولأن يكون المصطفى المختار ولأن يكون سيد الخلق أجمعين، فكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه وهذه خاصية من. خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم تميز بها مع بشريته، فالبشرية تقتضي أنه يصيب
المرض كشأن البشر، وينام ويقوم بيقظة العينين أو منامهما، وأنه يسعى لتحصيل رزقه فيعمل، وأنه منقهر تحت الأسباب وتحت سلطان الرب الكريم سبحانه وتعالى، ولكن على الرغم من هذه البشرية فيما إذا جرح لنزف الدم. وفيما إذا وقع من على الفرس فتألّم من كشحه، فإنه صلى الله عليه وسلم مع هذا قد تهيأ لهذا المجهود الجسماني العظيم الذي يحتاجه النبي عند نزول الوحي، فكان الوحي إذا نزل عليه وهو يركب ناقة أو جملاً،
وهذا الجمل شديد القوة، فإن الجمل لا يستطيع حملها ويبرك من شدة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي ورجلُه على فخذ زوجة من زوجاته تكاد تنخلع لأنه قد نزل عليه القول الثقيل. رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بنص القرآن سبحان. الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، كيف يتم ذلك
بهذه السرعة بجسد من غير آلة مخترعة تراعي ضغط الهواء وسرعة الحال كالطائرة مثلاً التي علمنا الله إياها بعد مئات السنين من عصر النبي المصطفى، فيصل إلى هناك في دقائق ولا الطائرة الآن التي سرعتها سرعة الصوت، تصل في الدقائق لأن المسافة بعيدة، تصل في ساعة، في نصف ساعة، وليس في دقيقة أو في دقيقتين. ما هذا الجسد النبوي الذي تحمل هذه الرحلة؟ إنه جسد من نوع خاص، إنه جسد مهيأ لهذه الرحلة. والإسراء أمر أرضي لم
يخرج عن قوانين الأرض، ولكن المعراج خرج. عن قوانين الأرض ورأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخترق السبع الطباق سبع سماوات وهو يصف أن السماء الأولى بالنسبة للسماء الثانية كحلقة في فلاة، حلقة هكذا صغيرة في صحراء كبيرة. إذاً فنسبة مساحة ومسافة وحجم السماء الأولى حلقة في صحراء كبيرة بالنسبة للثانية، والثانية بالنسبة للثالثة حلقة. في فلاة والثالثة بالنسبة للرابعة حلقة في فضاء، إذاً نحن في اتساعات ضخمة ومسافات يمضي بها الضوء في مئات السنين وآلاف السنين الضوئية، فما هذا الجسد الذي اخترق
كل ذلك إلى العرش؟ إنه والله لا إله إلا هو. إذا صعد الإنسان من الأرض فقط، في كل مائة وخمسين مترًا يزداد حتى يحدث ما يُسمى عندهم بمرض الصندوق، ومرض الصندوق يعني قدماء الدم، يبدأ الدم الذي بداخلك يبرز على وجهك، تبدأ تنزف من المسام. لماذا؟ من الضغط! كأن شخصًا يعصرك مثل عصر عود القصب. أرجوك، والنبي، لا تعصرني! لماذا؟ إذا هيّأه ربه لهذه الرحلة كما هيّأه ربه للوحي
كما... هيأه ربه للتعامل مع الكائنات، مع الخير، مع الشر، مع الناس. هذا النبي الكريم كان يجوع لأيام ويشد على أحشائه الشريفة الحجر. فأي جسد هذا يقوم الليل فرداً ويجاهد في سبيل الله نهاراً دون أن يتأثر ذلك الجسد؟ إنه قد هُيِّئ، فهو صلى الله عليه وسلم كان نوراً. في الظاهر وكان نوراً في الباطن، فالحمد لله الذي جعلنا من أتباعه، والحمد لله الذي جعلنا مسلمين. وصلى اللهم يا رب العالمين،
أسقنا من يده شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً. صلِّ اللهم يا رب على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله