سورة المائدة | حـ929 | 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ929 | 15 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"، والنور هو النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به من هديه الشريف، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نوراً وذلك أنه كان في غاية الشفافية ليس عنده سر يخفيه، ظاهره كباطنه، ولذلك لم يشكُ منه صحابته الكرام الذين عرفوه وخبروه
وعاشوا معه، فرأوا أن هذا الإنسان هو الإنسان الكامل. وربنا أثبت للعالم كله أن هذا الإنسان ظاهره كباطنه، وذلك أنه أذِن له أن يتزوج بعد... فترة زواج الأسرة مع السيدة خديجة عليها السلام وهي أم أولاده، تزوج بنساء حتى جمع بين تسعة بأمر الله سبحانه وتعالى. وذلك أن المرأة من طبعها الذي خلقها الله عليه، خلقها الله عليه أن
تغار على زوجها، وذلك دفاعاً عن أسرتها ورعاية لأبنائها. وهذه فطرة فطر الله النساء عليها حتى. يقوم بتمام الرعاية والعناية للطفولة وحتى تتم الأسرة التي هي وحدة هذا المجتمع في الاجتماع البشري، فالغيرة في النساء وإن كرهها الرجال محمودة. هذه الغيرة تجعل المرأة تراقب زوجها وتحاسبه على كل صغيرة وكبيرة وترى فيه وتبحث في تصرفاته عن خلل حتى تقوّم هذا الخلل بما طُبعت
عليه من الرعاية. والعناية وبما جُبِلَت عليه من حب التملك لأبنائها وزوجها، ولما طُبِعَتْ عليه من التصرف في مملكتها ورعايتها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك مرة فقال: "غارت أمكم أم المؤمنين"، وحتى إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المرأة فقال: "والمرأة راعية في بيتها وهي مسؤولة عن رعيتها" حتى إنها تُسأل عند الله عن رعيتها، ورعيتها الزوج والأبناء والبيت وإدارته، حتى مع فقد الزوج والأبناء، فهي مسؤولة عن هذا البيت بأفراده إن وُجدوا، وبحاله
إن لم يوجدوا. ولذلك فهي صاحبة سلطة، فالسلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، ما دام في مسؤولية ففيها سلطة، فأعطى الله السلطة للمرأة في... بيتها للرعاية والعناية بنفسها وحالها وزوجها وأبنائها، تسعة يراقبون رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر وفي العلن، تسعة تراقب كل واحدة منهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدله وفي علاقاته وفي خروجه وفي دخوله وفي عبادته وفي صمته وفي كلامه، فلم يجدوا عليه شيئاً
قط صلى الله عليه وسلم وعلى كل حال وفي كل الأحوال ومع كل الأشخاص أبداً لم يُجرّبوا عليه إلا أن هذا الرجل الإنسان الكامل النور المبين الذي كان قرآناً أو كفئاً للقرآن يمشي على الأرض حيث ما وصفه ربه "وإنك لعلى خلق عظيم" وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول وكان خلقه القرآن رآه ولم تكن له خائنة للعين، لم تكن له خائنة للعين أبداً. رآه ولم
يخطر بباله ولم يتلفظ بلفظه ولم يتكلم بشيء إلا وهو يعلم الخلق أجمعين إلى يوم الدين. ولو عقل العاقلون لتعلموا منه من المسلمين وغير المسلمين، فقد كان عظيماً باتفاق الجميع ولم يقتصر الأمر على علاقة. لم يكن أصحابه به ولا زوجاته رضي الله تعالى عنهن به، بل امتد الأمر إلى المشركين وإلى اليهود وإلى الوفود الذين جاؤوه من كل مكان بكل دين، فإنهم رأوا رحيماً "وما أرسلناك إلا
رحمة للعالمين" كريماً، فقد كان جواداً وكان أشد ما كأنه الريح المرسلة، وكان أشد ما يكون جوداً عابداً لله ترى النور في وجهه حتى أن الصحابة الكرام لم يكونوا يستطيعون أن يجيبوا النظر إلى وجهه الكريم من شدة ضيائه ونوره فكانوا يغضون البصر أمامه ويخشعون بقلوبهم بين حضرته ويديه صلى الله عليه وسلم هو نور بمعنى الكلمة نور في الظاهر يعرفه كل أحد ونور في الباطن يعرفه كل أحد فهو حجة الله في أرضه، ولذلك الذين شوشوا عليه وسبوه
وقللوا الأدب معه حسابهم عند الله عسير، لأنهم مثلوا حجاباً حجبوا الخلق فيه عن الخالق، ووقفوا في طريق الإيمان بالنبوة الصادقة، وشوشوا على الخلق بترهات كثيرة وأقاويل صوتية لا علاقة لها بالواقع والحقيقة، فحسابهم عند الله عسير لأنهم. أضافوا إلى كفرهم قلة أدب، والله تعالى يواسي قلبه فيقول: {إنّا كفيناك المستهزئين} فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم. {لا تذهب نفسك عليهم حسرات} فلعلك مُهلِك
نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث. اترك هؤلاء السفهاء واتركهم، والتفت إلى ما أقمناك فيه. {ما على الرسول إلا البلاغ}، {ما أنت عليهم حفيظًا إلى آخر الآيات التي تدل عليه صلى الله عليه وسلم. {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين}، والكتاب المبين هو القرآن الكريم في لفظه وهو باقٍ معنا نتلوه إلى يوم القيامة، وفي شخصه صلى الله عليه وسلم الذي طبَّقه التطبيق المعصوم بسنته الشريفة التي حفظها الله علينا وإلى. لقاء
آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.