سورة المائدة | حـ931 | 16 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام". فهذه واحدة من ثلاث نتائج الإيمان بالله وبما أرسله. من نورٍ في شخص النبي المصطفى ومن كتابٍ هو هدايةٌ للمتقين، والثانية "ويخرجهم من
الظلمات إلى النور"، يعني النور يؤدي إلى النور. عندما يكون اتباعك للنور، للبيان، للظهور، للوضوح، للجمال، فإنك ستخرج من الظلمات: ظلمات الحيرة، ظلمات الضيق، ظلمات الدنيا والتعلق بها، وهي لا نهاية لها. كلما ظننت أنك... قد حصلت منها شيئاً وجدت من هو قد فاقك في التحصيل، أمرها عجيب لا ينتهي وملكها ليس بيدك، وكلها كثرة فمن تعلق بها تعلق بكثرة، ولذلك كان من دعاء الصالحين حيث
نذكر له كثيراً: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا". قالوا وجعلها في القلب أن تحزن على مفقود وأن تفرح بكل موجود، فإذا خلصك الله من الحزن على المفقود ومن الفرح بكل موجود، كانت الدنيا في يدك وليست في قلبك. فإذا فقدت تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، أستغفر الله العظيم. وإذا وجدت قلت: الحمد لله، الشكر لله، الفضل من عند الله لا. إله إلا الله، كلام جميل هكذا، هو يمضي وهي لا علاقة لها بقلبك، أما من ينهار في قلبه فهو في ظلمات وليس
في نور. فالقضية الثانية التي تنتج من اتباعك للنبي وإيمانك من خلاله بالله رب العالمين هي أنك ستخرج من الظلمات، من ظلمات الدنيا، من ضيق الدنيا، من ظلمات. الحيرة ومن ضيق الحيرة من ظلمات التعلق وعدم القناعة والرضا إلى نور التوكل على الله والرضا بالله وأن تسير في نور الله وأن تكون راضياً عن الله فيرضى الله سبحانه وتعالى عنه، رضي الله عنه ورضوا عنه. ترضى عن ربنا فتصبح مسروراً بربنا هكذا، لكن هناك أناس غير مسرورين وفي... أناس قويمو الأدب مع الله هؤلاء في ظلمات وليسوا
في نور. القضية الثالثة ما هي؟ القضية الثالثة "ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم". "ويهديهم" تعني أن الله استجاب دعاءك الذي في الفاتحة "اهدنا الصراط المستقيم". يقول لك سأهديك إلى الصراط المستقيم وسأستجيب دعاءك بشرط أن تفهم شيئين: النبي والقرآن. حسناً، النبي والقرآن، القرآن والنبي قال ما هو الأول الذي جاء لنا بالقرآن، فعندما تؤمن به ستعرف أن هذا القرآن من عند الله، فيصبح الكتاب والسنة. ألسنا نردد دائماً الكتاب والسنة، الكتاب والسنة، الكتاب والسنة؟ هنا يقول ماذا؟ السنة
والكتاب! لماذا؟ لأنك كيف ستؤمن بأصل القرآن؟ عن طريق سيدنا النبي، كل الأبواب أُغلقت إلا باب سيدنا النبي. هكذا ليس لنا إلا سيدنا النبي. حسنًا، ماذا سنفعل والذي بيننا وبين الخلق هو سيدنا النبي؟ الذي بين أهل السنة هؤلاء والجماعة الذين يُطلق عليهم أهل السنة والجماعة، هذا الجمهور كله، هذا الذي بينهم، الذي بين الخلق. كلهم مَن؟ سيدنا النبي آمنا به، في حين أن غيرنا لم يؤمنوا به. صدقنا أنه رحمة، وغيرنا لم يصدقوا. صدقنا
أنه للعالمين، وبعضهم قال: "لا، هذا للعرب فقط". أنا أُجلُّ وأحترم وكل شيء، لكن هذا للعرب فقط. صدقنا بكتابه وبما نطق من كلام أرشد به الخلق وأخرجهم من الظلمات إلى يقول: لا، نحن سنأخذ الكتاب فقط والسنة لا. صدقنا بما ذكره لنا من أنه قد وعد بحفظ كتابه. فبعضهم يقول: لا، هذا الكتاب قد حُرِّف. حسناً، أين التحريف الخاص به؟ أين النسخة الثانية؟ قال: لا، ليس لدينا. إذن كيف حُرِّف؟ قال: قيل في كلمة في الكتاب، هنا كلمة في الكتاب. هنا نعم، لكن لم يقم أحد بكتابة هذا الكتاب الثاني المحرف،
فأصبح هناك نسختان. لم يقم أحد بطباعة هذا الكتاب العجيب الغريب المحرف. لم يقم أحد بطباعته. فما الذي نوجبه إذن؟ أنا يمكنني طباعته. حسناً، لماذا لا تطبعونه؟ أين هو؟ إنه غير موجود، ولذلك كان المعتزلة لديهم شيء. اسمها أنها معجزة بالصرفة، أي أن الله صرف أن يفتري أحد كذباً. ما هذا؟ طيب، ألا يستطيع الذي أمسك قلوب العباد أن يمنع أحداً من الافتراء؟ ألم يكن من الممكن أن يختلق شخص ما شيئاً ويقول: هذا هو القرآن الذي تركه محمد؟ كان سيربكنا وكنا سنقول له لا في ذلك على فكرة، حدث هذا في كتب سابقة مقدسة وسمّوها الكتب الأبوكريفية. فالكتب الأبوكريفية هذه كتب لكنهم يقولون إنها كذب. هم
يقولون إن الكتاب الأبوكريفي هذا كذب. أين ما لدينا؟ لا يوجد. إذاً، سيهدينا إلى الصراط المستقيم عندما نتمسك بالكتاب والسنة والأدلة الخاصة بها، السنة والكتاب، لأن من السنة. عرفنا الكتاب عندما آمنا بهذا النبي المصطفى وتحررنا بين الخلق. نقول إنه ربى أصحابه، وهناك فرق تقول: لا، إنه لم يعرف كيف يربي أصحابه. نقول إن زوجاته عليهن السلام أمهات المؤمنين، ويقولون: لا، إنه لم يعرف كيف يختار زوجاته. كذبوا كلهم، فمن الذي صدق؟ أهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة. هو الذي صدَّق يقول لك إنه خلاص قد مات، هو
يقول: "تُعرض عليَّ أعمالكم، فإن وجدت خيراً حمدت الله، وإن وجدت غير ذلك استغفرت لكم". والله تعالى يقول: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً". نحن قلنا هكذا عن غير نبي يقول ما هذا! إنه لا يسمعنا أي شيء. فإذاً، أهل السنة والجماعة هم الصراط المستقيم، هذا الصراط المستقيم الذي بيننا وبين الخلق. مَن؟ ما الألوهية؟ لا الوحي، لا. سيدنا النبي هو الذي بيننا وبين الخلق. عقيدتنا فيه صحيحة، بين إفراط
وتفريط، بين كفر وإلحاد، بين اختيار وعدم توفيق. لا في... صراط مستقيم، مَن قائده؟ من صاحب بوصلته؟ سيدنا النبي. فاللهم صلِّ وسلم على سيدنا النبي وعلى آله وصحبه وسلم. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.