سورة المائدة | حـ933 | 18 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | حـ933 | 18 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء في هذه الآية "ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير". هذه الآية ومع آيات كثيرة في القرآن من أوله إلى آخره يعلن القرآن لكل
إنسان أنه ضد الدعاوى، دعاوى التمييز فهو ضد كل تمييز فكان دائما ضد التمييز الذى كان بين البيض و السود وقامت حضارات وغبرت حضارات وهي تميز بين الأبيض والأسود، وجاء الإسلام لا يميز بين أبيض وأسود،
لدرجة أنه أعلى من شأن سيدنا لقمان، واختلف المسلمون في شأنه أهو نبي أم صالح عالم. حكيم وعلى كل حال فقد كان أسود اللون وهناك من الصحابة الذين إذا ما ذُكروا لا يسع المسلم إلا أن يقول رضي الله تعالى عنهم كانوا سوداً فلو ذكرنا أمام مسلم سيدنا بلال فإنه على الفور يقول رضي الله تعالى عنه ومن كان مطلعاً على قصته وإسلامه
وجهاده وصحبته وخصائصه ومميزاته اغرورقت عينه من الدموع فهو الذي عُذب في الله فصبر، وهو الذي كان تحت وطأة العذاب يقول: "أحد أحد" فرد صمد، وهو الذي كان ندي الصوت فلما رأى الأذان عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه في منامه وجاء يقص ألفاظ الأذان على رسول الله صلى الله عليه. وسلم في الصباح فقال له: "علِّمْه بلالاً فإنه أندى منك صوتاً". وكان بلال رقيق
القلب رقيق الحاشية، كان طيباً منوراً في ذاته، وأضاف إلى هذا النور، أضاف إليه نوراً على نور من قبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صحبته معه. فكان سيدنا بلال قصة ما زلنا نذكرها إلى... الآن وكلما ذُكر فالذي يخطر في بال المسلمين الطيبة والنور والهدوء والصلاح بلال وسمى المسلمون بلال وأكثروا من التسمية تيمناً
وتبركاً بسيدنا بلال. كان رقيق الحاشية وكان أسود اللون إلا أنني لا أظن أن أحداً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في عصرنا هذا وما سبقه من العصور من لدن النبي صلى الله عليه وسلم بل وإلى يوم القيامة يأتيه بلال الحبشي يطلب ابنته ويتأخر من أجل لونه بل إنه سيبادر بالموافقة وستبادر البنت المسلمة بالموافقة لأنه سيدنا بلال، بل في ذلك شرف وأي شرف لكل
مسلم على وجه الأرض أن يناسب سيدنا بلال. سيدنا بلال له واقعة مع فردٌ من أفراد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هم في علو المقام وهو سيدنا أبو ذر الغفاري. سيدنا أبو ذر من كبار الصحابة العلماء الفقهاء أصحاب المواقف وأصحاب العبادة وأصحاب الرضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. سيدنا أبو ذر يلتقي سيدنا بلال وتجري بينهما مشاحنة. لأي سبب كان وتفلت
لفظة من فم سيدنا أبي ذر ويقول له: "يا ابن السوداء"، ويصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له: "يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية". رسول الله يحب أبا ذر، رسول الله يقدر أبا ذر، رسول الله يعطي أبا ذر منقبة لم. يعطيها لأحد من قبله ولا من بعده، وهو الذي يقول له: تعيش وحيداً، وتموت وحيداً، وتُبعث يوم القيامة وحيداً. فريد
رضي الله عنه تخيل أن رسول الله يحبك، وتخيل أن رسول الله يختصك بهذا، ثم تخيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك امرؤ فيك جاهلية. يعني معنى الكلام أن هذا وقع على قلب أبي ذر تأثيراً شديداً غيّر حياته، وهم الذين كانوا على استعداد أن يضحوا بحياتهم في سبيل الله ورسوله وقضية الإسلام، أي حياة لا تساوي شيئاً عنده في مقام رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: "يا أبا ذر، إنك امرؤ
فيك جاهلية"، لأجل من؟ لأجل هذا. الأسود المرضي عَمَّهُ من الله الذي علَّم المسلمين كيف لا يُميزون بين أحد من البشر على أساس اللون، وقد ميّز الناس جميعاً. هذا فيذهب ويقول لسيدنا بلال: "أنا سأضع خدي على الأرض وأنت ضع قدمك ونعلك على خدي". طأ وجه ابن البيضاء. ما هذا؟ وعلى الفور ومباشرة وبلا تردد لم يقل له: "حسناً، إنه ابن السوداء صحيح، وأنا كذبت
وأنا قلت شيئاً لم يقله". لم تكن لديهم هذا اللؤم، كانوا أناساً شفافين قريبي العهد بالله ورسوله. فوضع رأسه على الأرض وقال له: "ضع حذاءك فوق خد ابن البيضاء". فرفض سيدنا بلال، فهو طيب وعنده عفو هكذا. صفح سيدنا بلال الذي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له: "يا بلال، رأيتك بالأمس تسبقني في الجنة، وأسمع خشخشة نعليك قبلي في الجنة"، فيرتعد بلال ويقول: "يا رسول الله، أنا لا أعرف، ما بيني وبينك أتدخل"، فقال:
"بما هذا؟" قال: "لا أعرف إلا أنني كلما توضأت صليت". ركعتين قال بها يا بلال، من الذي سيسبق رسول الله؟ ما من أحد. هذه الرؤية رمزية، فسيدنا بلال عندما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى امتنع عن الأذان ولم يستطع أن يؤذن لأنه كلما أراد الأذان غلبته عيناه يتذكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا يقوى على إكمال الأذان، بل إنه هاجر من المدينة إلى
الشام من أجل أن يبتعد عن هذه الوجدانيات الطاحنة التي كانت تطحن قلبه رضي الله تعالى عنه شوقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما جاء مرة طلبوا منه الأذان فأذّن فأبكى من في المدينة كلها وتذكروا. عهد رسول الله وهو قريب العهد بهم، الإسلام ضد التمييز بأي شكل كان، ضد التمييز ضد الإنسان. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.