سورة المائدة | ح 1000 | 56 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون". هذه الآية وردت بعدما حصر الله العناية التي تقرّب الأمة وتبقيها وتعمل على استمرارها في الله ورسوله والذين آمنوا فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون". وهذه الآية "يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة" تشير إلى العبادة القاصرة وإلى العبادة المتعدية. أما كلمة "وهم راكعون" فهذه جملة تسمى بالجملة الحالية، والحال فيها هنا مجاز، يعني هل هم يقيمون... الصلاة أثناء ركوعهم والركوع جزء من الصلاة فلا يصح، لا يصح أن يقرأ الفاتحة والتحيات وما شابه وهو راكع. هل يؤتون الزكاة وهم راكعون يعني حال كونهم يركعون؟ لا،
يصح يعني وهو راكع هكذا يعطي الصدقة للفقير من الناحية الأخرى، لا، يصح. إذاً ماذا يعني "وهم راكعون"؟ قال حالية معناها أنهم مستمرون في الركوع، ليس معناها حال كونهم راكعون، مستمرون في الركوع يعني ماذا؟ يعني هم من أهل الركوع. لدينا سبعة عشر ركعة كل يوم، فهم مصممون وليس هناك أمة على وجه الأرض الصلاة واجبة على كل أفرادها. لا يوجد شيء هكذا، لا توجد أمة شكلها هكذا رجال. ونساء كبار وصغار، شباب وشيوخ،
في حالة الصحة وفي حالة المرض، وكل ذلك ومنذ عهد النبي حتى الآن، كل الأرض في كل زمان ومكان علينا صلاة. حسناً، هل هي مرة في الأسبوع؟ لا، إنها خمس مرات في اليوم، وليس هناك في الصلاة خمس مرات يا جماعة أمة تسجد لرب العالمين. في العالم سوى المسلمين ضعها هكذا، اعتز بها هكذا وأنت تمشي. يا جماعة ليس هناك أحد يصلي خمس صلوات في اليوم إلا المسلمون، ولذلك بعضهم عندما لا يستوعبون، يعني لا يفهمون، يقولون: أنتم تصلون كل يوم خمس صلوات؟ قلنا له: نعم. فيقول: متى تعملون إذن؟ قلنا له: نعمل.
بعد الفجر نصلي الفجر ونعمل، كما أن مساجدنا مؤسساتنا تُعلِّم دائماً وتعالج دائماً وتحل المشكلات دائماً وهي دائماً دار للمناسبات نعتز فيها ونزوِّج فيها. والله هذه ليست مساجد فقط، بل هي مؤسسات، وليس هذا فحسب، بل "جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً". نعم، يعني أنتم تصلون في العمل على... تَظَلُّونَ تُصَلُّونَ ثُمَّ تَعْمَلُونَ، ثُمَّ تُصَلُّونَ ثُمَّ تَعْمَلُونَ. نَعَمْ، نَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: لَا، أَنْتَ تُضَيِّعُ وَقْتَكُمْ هَكَذَا فِي الصَّلَاةِ. قُلْنَا لَهُ: نَحْنُ لَا نَدَعُ أَحَدًا يُضَيِّعُ وَقْتَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَقُولُ لِلنَّاسِ إِنْ
ضَيَّعْتَ وَقْتَكَ فِي الصَّلَاةِ فَأَنْتَ تَرْتَكِبُ حَرَامًا. هُوَ يُصَلِّي وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ، وَيَعْمَلُ وَالْعَمَلُ وَاجِبٌ، وَمَنْ سَعَى... في حاجة أخيه كُتب له أجر اعتكاف أربعين، وقال ابن عباس: "والله لا أدري أربعين يوماً أو شهراً أو سنة". أربعين ماذا؟ وذلك لأنه - حسب حالتك - حسب الخدمة التي قدمتها، إذا كانت مخلصة وقوية وفي موضعها وما إلى ذلك، فستنال أجر أربعين سنة إذا كنت... متضايق قليلاً أو تفعلها بعجلة أو نحو ذلك، فتُعاقب بأربعين شهراً. وإن كانت خفيفة هكذا، مجرد شيء بسيط، فتأخذ لك أربعين يوماً، ولكن لا تقل عن أربعين. فتختلف
العقوبة وتُطلق لكي يكون لها اتساع. فإذا كانت هذه أمة عابدة، يقول ربنا: "ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا"، والذين آمنوا هؤلاء يُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم مستمرون على الخير دائماً وهم راكعون، اتصفوا بالركوع تماماً، لن يتركوه، ليس هناك يوم لا يركعون فيه، ليس هناك وقت لا يركعون فيه أبداً. "وهم راكعون" يعني باستمرار، وهذه صفة أصبحت صفةً وليست فعلاً، ولذلك لا يفهم أحدنا أنه يقيم الصلاة أثناء الركوع أو... أنه يؤتي
الزكاة أثناء الركوع، بل إنه موصوف بأنه من الراكعين، حيث أنه تحول من كثرة الركوع التي استمر بها كل يوم من الفعل إلى الصفة، فأصبحت صفته أنه من الراكعين. حسناً، "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، حسناً، من يتولى هؤلاء: الله ورسوله والذين آمنوا، فإن حزب الله... هم الغالبون، إذاً إذا تحدثنا مرة أخرى عن الأمة، فإن أولئك الذين يتولون الله ويتولون رسوله ويتولون المؤمنين هم الأمة، وسنسميهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون. ماذا تعطيني
عبارة "هم الغالبون"؟ إنها تعطيني وعداً وتعطيني حقيقة وتعطيني حكماً. الوعد أيضاً مقرر: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم". ومن ينصره الله فلا غالب له أبداً، إذا هذا وعد. تولوا الله فتكونوا من حزبه فتكونوا من الغالبين. حسناً، هذا هو الوعد،
والحقيقة أن الغلبة من عند الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. حقيقة أن النصر من عند الله، إن كنت تريد النصر فخذ بالأسباب وكل وما شابه ذلك، وتوكل على الله واعلم وتيقن واعتقد أنه من عند الله، هذا يعطيك ثقة بربك وثقة بنفسك. والحكم كما قلنا إنه وعد وإنه حقيقة، يعطيني حقيقة ويعطيني حكماً. الحكم هنا يقول لك: فتوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه، فيكون الحكم وجوب التوكل على الرب.
العالمين سبحانه وتعالى، فإن فعلتم ذلك كنتم من الغالبين. غالبين في أي شيء؟ قال: في كل شيء، في مجال الحياة، وفي مجال الدين، وفي مجال الدنيا، وفي كل مجال: في المجال العلمي، وفي المجال الاقتصادي، وفي المجال الاجتماعي، وفي موقفنا بين الأمم، وقد جعلنا الله شهداء أي يشهدوننا، ولذلك. إذا فرَّطنا في كل ذلك فقد قصَّرنا في حق أنفسنا وفي أمر الله تفريطاً بليغاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.