سورة المائدة | ح 1001 | 57 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يستمد التوجيه الإلهي للحفاظ على الأمة وأن تلتفت إلى نفسها وأن تؤكد دعائمها فيما بينها داخلياً وأن لا تقبل أي خلل يأتيها
من الخارج، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى المؤمنين إخوة "إنما المؤمنون إخوة"، "وكونوا عباد الله إخواناً". فهذه الأخوة تستلزم التكاتف والترابط، فليس قصد هذه الآيات العدوان على الآخرين. ولا معايشهم بل كما قلنا علَّمنا ربنا سبحانه وتعالى المفاصلة خاصة في العقائد مع المعايشة خاصة في الحياة، وهذا هو التوازن الذي جاء به الإسلام، فلم يجعلنا نعتدي على
الآخرين من خارجنا، لكنه لم يسمح للآخرين أن يعتدوا علينا في داخلنا، ولذلك وهو يتكلم بالأساس عن الصفات الذميمة لهذا. الخارج الذي يؤثر في وحدة الأمة فإنه يتكلم عن صنف من الناس خرجوا عن حد المناقشة الموضوعية وعن حد الشرف في التعايش إلى حد السخرية والاستهزاء والعدوان والكذب على الله وعلى رسوله وعلى أمة المسلمين. يا أيها الذين آمنوا، فهو خطاب للأمة وليس خطابًا للناس أجمعين، وعلى ذلك فهذا الخطاب الذي بعد قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا" يجب علينا أن نترجمه
إلى مواقف وإلى مبادئ وإلى مناهج وإلى برامج للعمل وإلى مؤسسات تحمي الأمة من داخلها "لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً" هذا هو الأمر وهذه هي الصفة النقيصة التي تكون في بعض الناس من خارج الأمة تريد أن تتلاعب بهذه الأمة وأن ينهار كيانها، اتخذوا ديننا هزواً ولعباً واستهزاءً، اتخذونا هزواً، قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. فالاستهزاء والسخرية والتعالي هي من صفات
الجاهلين، فهذه طائفة من غيرنا صفتها التي ينعي عليها ربنا وينبهنا إياها ويحذرنا منها، إنه الجهل لأن الذي يقيم البرهان وما دام... يفتقد البرهان فهو ليس بعالم وعلى ذلك فكل من استهزأ فهو جاهل، ومن هنا لما اتهم بنو إسرائيل سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالاستهزاء أجابهم مباشرة بنفي الجهل عنه: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" ومن هنا أيضاً
وبالإضافة إلى التحذير من تلك الصفة في هذه الطائفة التي تريد أن تهدم الأمة من داخلها فأمرنا الله سبحانه وتعالى بإلغائهم وبتجاوزهم وبعدم الاعتماد عليهم وبعدم اتخاذهم أولياء وبعدم إدخالهم في أمتنا، فإنه أيضاً وثانياً وقد يكون أولاً يعيذنا أن نكون نحن من الجاهلين عندما يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالابتعاد عن صفة ذميمة لا يحبها في الآخرين فهو أمر لنا. أن نبتعد عنها بطريق الأولى، وعلى
ذلك فليس لمسلم أن يستهزئ بأحد من خلق الله. المسلم يجب أن يكون صاحب برهان، ولذلك إذا رأينا أحدهم يستهزئ عُدّ من الجاهلين، أخرجناه من دائرة العالمين إلى دائرة الجاهلين. فيستفاد من الآية أمران: الأمر الأول نقيصة في الآخرين، والأمر الثاني صفة يجب أن عنها في أنفسنا وهكذا يكون القرآن كتاب هداية نأخذ منه طريق الحياة. هذه الصفة الأولى أنهم
يستهزئون بنا بسخرية وبتعالٍ واستهزاء. هذا الأمر العجيب أنه كان عبر القرون، عبر القرون حفظت لنا الأدبيات أقواماً يستهزئون بديننا، وعندما نتأمل في كلامهم نجد الجهل، أنهم لا يعرفون الواقع، فبعضهم اتهم المسلمين أنهم يعبدون محمد صلى الله عليه وسلم، وكل مسلم يسمع هذا يبتسم ويضحك من
شدة جهل ذلك القائل الذي قال ذلك ليصد عن سبيل الله، وليكون حجاباً بين الخالق سبحانه وتعالى الذي أرسل الإسلام دين الحق وبين الخلق، فصد عن سبيل الله سواء كان ذلك بعلم أو بغير علم، لكنه صد. عن سبيل الله بهذا الجهل، بعضهم رأى المسلمين يسجدون في اتجاه الكعبة فزعم أنهم يعبدون وثناً. قومٌ نضحك نحن، ما من حل إلا أن نقيم الدليل على أننا أمة التوحيد، أمة {قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له
كفواً أحد}، وهي السورة التي تعدل. ثلث القرآن وهي السورة التي يحفظها المسلمون شرقاً وغرباً سلفاً وخلفاً صغاراً وكباراً، حتى إن الأمي الذي لا يحسن قراءة القرآن تراه يقرؤها في الصلاة، فهي عنوان على دين الإسلام. فإذا ما قام أحدهم ونسب إلى نبي الإسلام أو إلى دين الإسلام أو إلى المسلمين أو إلى شريعة الإسلام الجهالات يستهزئ أو أنه يستهزئ فهو جاهل، وكلاهما في حقه مُرٌّ، ولكن حذَّرنا الله سبحانه وتعالى من أن نُلقي أسماعنا إلى هؤلاء الناس، بل أمرنا فقال: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وإذا كان الاستهزاء وليد الجهل، فإن اللعب وليد الغفلة. فالاستهزاء وليد الجهل فهو جاهل، واللاعب هو صاحب الغفلة، لأن الذي يلعب يفعل شيئاً فيه لغو وفيه تضييع
للأوقات، ولذلك فهو غافل يعلم فقط ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. وعن اللعب وصفة اللعب فيهم وفينا نلتقي في حلقة. قادمة في اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته