سورة المائدة | ح 1002 | 57 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1002 | 57 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون". مرة أخرى يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نتجاوز في تعايشنا في العالم. مع المخالفين وأن نلتفت إلى أمتنا وأن نعيش من أجل رسالتنا، وهذه الرسالة ارتبطت ارتباطاً شديداً
بالصلاة، فالصلاة عماد الدين وذروة سنام الأمر، والصلاة ركن من أركان الإسلام، والصلاة يعيشها المسلم كل يوم، كل المسلمين لا نستثني منهم أحداً يصلون، ليس هناك نظام كما كان في الأديان السابقة أن يقوم بالعبادة بعض الناس وأن يتفرغ البقية لأمور حياتهم، بل إن الصلاة إذا ما أدركتك في أي مكان في الأرض يجب عليك أن تصلي، وجُعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً، لأنه إذا افتقدت الماء حيثما حلّت عليك الصلاة تيممت صعيداً طيباً وصليت. إذاً، فأمر هذا الدين حقيقته الصلاة، وحقيقة الصلاة هي حقيقة الإسلام: الصلاة ما زالت مستغربة إلى يوم الناس هذا عند بعض غير المسلمين. ما زالت مستغربة في المراكز الإسلامية في دول العالم. يأتي الطلاب الصغار من المدارس إلى المسجد وهم غير مسلمين،
لكنهم يستغربون جداً من صلاة المسلمين. ما الذي يفعلونه؟ ما هذا الشيء؟ وركوع هكذا يفعلون كل يوم. سبع عشرة مرةً ولا تملّون، إنها شيء ممتع. والذي اعتاد على الصلاة لا يستطيع أن يترك الصحو، إنه أمر عجيب. ولماذا يفعلون هكذا؟ لماذا ينزلون هكذا؟ ماذا يعني أنهم يسجدون؟ هذا الكلام سمعناه ورأيناه، فعندما نوضّح، هناك طائفة من الناس تحترم الخصوصيات، يقول لك: حسناً يا هذا. دينكم ثم إنه دين مليار ونصف
فيه، وهذا الدين منذ ألف وأربعمائة سنة وهو مستمر، فلابد أن هناك سبباً. لابد أن هذا الدين الذي اطمأن إليه الناس وسُعدوا به وعاشوا فيه وأنتج حضارة وعلماً وتراثاً والناس متمسكة به كثيراً هكذا، لابد أن هناك سبباً. هذا ما يقوله العقلاء المنصفون، ليس يكون مسلماً وإنما عاقل. انتبه جيداً، ليس بالضرورة أن يكون مسلماً وإنما عاقل يفكر بشكل صحيح، تفكير مستقيم، إنسان ويفكر بشكل صحيح. فيجلس هكذا على الدكة التي في آخر المسجد لكي يشاهد، فهو قادم ليشاهد ويرى المسلمين يصلون وكل شيء، فيقول:
لا، هذه المسألة فيها سر حتى لو لم أفهمه، هذه هي المتمسكة بهذا الذي صنع هذه الحضارة التي بهذا العدد وبهذه السنين كلها، فلا بد أن هذا الدين له وضع وله سر. ويقولون هذا عن كل الأديان وليس عن دين الإسلام فقط، عندما يرونه ديناً قديماً وديناً واسع الانتشار، يقولون هذا الكلام قبل البحث، إنما بمحض العقل والفكر المستقيم. هذا الإنسان لا يستهزئ بك وهذا الإنسان لا يسخر منك وهذا الإنسان محترم، وآخر وإن كان قليلاً تجده
يقلدك، يسخر منك، يقلدك ويقوم بحركات كأنه يركع أو أنه يسجد، وعندما يسجد يقوم ببعض الحركات البهلوانية لكي يُضحِك الناس، إنه يلعب. هذا الصنف موجود، وهذا الصنف لم يفكر. وهذا الصنف لا يتدبر، هذا الصنف يتسرع في الحكم، هذا الصنف أغلق على نفسه حتى التفكير الذي قد يوصله إلى الإسلام، لأنه منذ البداية يقول: ما هذا الذي تفعلونه؟ أنا أسخر منكم. منذ البداية هكذا مقاطعة، وسيستهزئ ويلعب. هذا
الاستهزاء واللعب يصدر منه عندما يرى الصلاة التي هي روح الإسلام. وحقيقته التي هي الإسلام حقيقة الصلاة، والصلاة حقيقة الإسلام. الناس الذين لا يعقلون ليس لديهم عقل، وهذا هو الذي بيّنه ربنا: "وإذا ناديتم إلى الصلاة". النداء إلى الصلاة هو عبارة عن الأذان، والأذان مما اختصت به أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وحقيقة الأذان هي الدعوة والإعلام، ولذلك فقد يتكرر كثيرة وحقيقة الأذان
أن فيه رفعًا لذكر سيدنا محمد "ورفعنا لك ذكرك"، فإذ بذكره صلى الله عليه وسلم على ألسنة أتباعه المسلمين في الأرض إلى يوم الدين يلفُّ مع الأرض وهي تدور، فكل فترة يدخل وقت الظهر أو العصر في منطقة أخرى، يعني الظهر أُذِّن عندنا الآن ولكنه لم يُؤذَّن الجزائر إذن في الجزائر يبقى لم يُؤَذّن بعد في أمريكا وهكذا يعني الأرض وعلى مدار الساعة من يدعو ويقول ويشهد أن محمداً رسول الله. محمد كلمة يتلذذ بها المسلمون عند ذكرها لأنهم عرفوا سيرته وأخلاقه الكريمة
وأنه المثال الكامل والإنسان الكامل وحبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم يذكرون اسمه. ففي الأذان نداءٌ إلى الصلاة، ومنه وفي ذلك حدثت معجزة أن أبا محذورة، وكان في مكة ولم يدخل بعد الإيمان في قلبه، سمع بلالاً يؤذن في الكعبة فسخر من
الأذان وقلّده هكذا: "الله أكبر، الله أكبر" هكذا. فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه فقال: "ائتني يا أبا محذورة". كنتَ تقول، فخاف أبو محظوظ من هيبة رسول الله، قال: ما كنتُ أقول شيئاً. كذب. قال: ألم تكن تردد الأذان؟ قال: لا. فوضع يده الشريفة على صدره وقال: إذاً فردده ورائي. وعلَّمه الأذان. قال أبو محذورة:
عندما أتيته لم يكن هناك أبغض منه في قلبي، أبغض واحد هو محمد. في قلبِ أبي معزول وبعد أن وضع يده على صدري وعلمني الأذان، لم يكن هناك أحبّ منه إلى قلبي في الأرض، ثم جعله مؤذناً هو صلى الله عليه وسلم، فكان من مؤذني الرسول، وجعله في مكة فأذّن وحسُن إسلامه، وذلك بمعجزة من النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا. موروث في الدعاة من بعده إذا ما ساروا على نهجه صلى الله عليه
وآله وسلم، فإن الأذان أسلم به كثير من الناس. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.