سورة المائدة | ح 1003 | 58 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1003 | 58 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون". هذه صفة من الصفات التي نعاها الله سبحانه وتعالى على غير المسلمين أو... على بعض غير المسلمين أنهم يسخرون من أذانهم ويسخرون من صلاتهم وكذلك يسخرون من عباداتهم ومن شرعهم ويتلاعبون به، وهذه صفة ذميمة نعاها الله
سبحانه وتعالى عليهم، كما أنها صفة يريد ربنا سبحانه وتعالى أن يعلمنا كيف نتعامل مع الآخرين، والتعامل مع الآخرين مع غير المسلمين لا يكون أبداً. بالاستهزاء بهم ولا يكون أبداً بالافتراء عليهم والتلاعب بدينهم مهما كان هذا الدين، ولا يكون أبداً بالتعالي على شعائرهم أو على ما درجوا عليه، ولا يكون أبداً بسبهم حتى ولو كانوا مشركين، حتى ولو كان السب
يتعلق بالأصنام والأوثان التي هي وقود النار، ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله﴾. فيسبُّوا الله عدواً بغير علم، ولذلك ترك المسلمون للناس أجمعين معتقداتهم. ألم يكن الصحابة الكرام، وقد وصلوا إلى أفغانستان وإلى الهند، لم يهدموا تمثال بوذا مثلاً كما هدمه بعض الصبيان في عصرنا الحاضر؟ لم يوغروا قلوب الناس، ولم يحملوا الناس حملاً على
أن يتركوا معتقداتهم، فلا زالت الهندوسية إلى الآن في الهند والكونفوشيوسية في الصين والبوذية في اليابان وفي كمبوديا وفي تايلاند وفي كل مكان لم يفعلوا هذا أبداً، وعندما دخلوا مصر كتبوا أسماءهم على الأهرام. كان لدينا هرمان، وكان الثالث الذي هو الهرم الصغير مدفوناً تحت الرمال، يعني الصحابة لم يروا الهرم الصغير، وكان أبو الهول مدفوناً تحت الرمال أيضاً. وعشرون متراً كان مدفوناً تحت الرمال فلم يروا ماهية أبي
الهول لكنهم وصلوا إلى الصعيد وإلى السودان وإلى أفريقيا، فلم يحطموا التماثيل الموجودة في كل مكان، لم يكسروها، ولا تزال هناك قرى تتكلم بالديموطيقية أو الهيروغليفية القديمة، وهي كانت اللهجة للغة القبطية إلى عصر المقريزي، يعني هناك وصلنا إلى القرن الثامن وبدأنا في التاسع الهجري وما زالت بعض قرى الصعيد تتكلم القبطية أكثر من سبعمائة أو ثمانمائة سنة. لم يقهروا الناس بل أنشأوا العائلات
ودخلوا فتزوجوا من غير المسلمين، فجاء الإنجاب فأصبحوا مسلمين. مات الجيل الأول، وتزوج الأبناء من أبناء أخوالهم وأبناء خالاتهم غير المسلمين، فانتشر الإسلام بالعائلة. مسألة عجيبة غريبة لأنهم تربوا في مدرسة القرآن، فعندما رأوا أن السخرية من الآخرين منقصة وتغضب الله، لم يتخذوها منهجاً وسبيلاً للاستهزاء واللعب والسب. وعندما ابتعد المسلمون عن هدي كتابهم،
توقفت في حياتهم معانٍ كثيرة، وتحول الأمر إلى أنه فارغ، إذ لم يعد كما كان. غير راضٍ أن يدخل في الكتاب ويأخذ منه الهداية ويطبقها في حياته، فظهر العنف وانتهى إلى الدم الذي يجري في الطرقات. لم يكن هذا حال الصحابة ولا حال السلف الصالح، بل كانوا يذهبون إلى كتاب الله يطلبون الهداية، وكان أحدهم يقرأ خمس آيات ولا يتعداها حتى يعمل بها، ويعمل
بها يعني ماذا؟ تدبَّرها وفهمها وعرف كيف يعمل بها، وكان الله سبحانه وتعالى يوفقهم فيفتح عليهم في فهومٍ كثيرة. يقول عنها سيدنا علي: "هل ترك لكم غير القرآن؟" قال: "لا، إلا صحيفة في العقل، صحيفة في الديات". عندما يقتل شخص أو يجرح آخر، ما هو القصاص؟ كان سيدنا رسول الله قد وضع لهم صحيفة إلا صحيفة في العقل، الذي هو الدية، وفهماً يُؤتاه أحدنا في القرآن، فتح هكذا من عند ربنا كميراث للنبوة، فيهديك ربنا به هكذا، هو إلهام هكذا هو، فهؤلاء الناس
عاشوا مع القرآن وعرفوا أن الله يغضب من طائفة إذا نودي إلى الصلاة اتخذوها هزواً. ولعبٍ، فلم يتخذوا هم شعائر الآخرين هزواً ولعباً. وصف الله هؤلاء فقال: "ذلك بأنهم" والباء هنا للسببية، يعني بسبب أنهم. طيب، بسبب أنهم متمسكون بدينهم فأرادوا أن يسخروا من دين الإسلام، لا بسبب أنهم عدوانيون، لا بسبب
مصالح ارتأوها ورأوا أنهم إذا ما اتخذوا الإسلام والنداء إلى الصلاة - الأذان والمسلمين هزوا ولعبًا سيحققون مصالح، لا، وهنا ما فيه الأمر في سبب فلننظر ما هو السبب، بأنهم لا يعقلون، إذًا فالذي يفعل هكذا ليس عاقلًا، فكيف تصنع أنت يا مسلم هذا وأنت عاقل أو ينبغي أن تكون كذلك. على فكرة، كل حكاية أنك عاقل هذه، ماذا تعني "ينبغي أن"؟ تكون عاقلاً والعاقل خصيم نفسه. ما معنى خصيم نفسه؟ أي ضد نفسه، فهو يفكر أولاً قبل أن يفعل،
ويتدبر ويرى المآلات إلى أين تذهب وتأتي من أين. ذلك بأنه ودائماً وحتى لا ننسى فإن كلمة "ذلك" إشارة، ومعنى ذلك أنها تحمل مضمون ما سبق. عندما تأتيك كلمة "ذلك" فماذا تفعل؟ وتضع مكانها مضمون ما سبق، ما الذي سبق؟ "وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً"، ذلك. قل لي إذاً مضمون الذي سبق، ماذا؟ اتخذوا الصلاة هزواً ولعباً، واتخذوا النداء هزواً ولعباً. إنَّ مضمون
ما سبق هو هذا "ذلك بسبب أنهم لا يعقلون". وفقنا الله سبحانه وتعالى إلى فهم كتابه وأقامنا فيه إلى اللقاء في وقت آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله