سورة المائدة | ح 1004 | 59 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ وعندما يخاطب الله سبحانه. وتعالى أهل الكتاب فإنه يخاطب بعضهم وعندما يخاطبهم فإنما يخاطب صفات لا يرضاها ولذلك فهو يدعوهم إلى الصفات المرضية.
هذه الطائفة التي عادت المسلمين بغير حق من أهل الكتاب غير الطائفة التي توائمت مع المسلمين وقبلتهم وفتحت يدها لهم. هذه الطائفة الثانية هي الطائفة التي تعايش معها المسلمون وعاشوا في أوطانهم معاً سنين طويلة بمئات السنين، أما الطائفة الأولى فهي ما زالت في هزل ولعب وصدام ونزاع وسخرية وسب ولعن. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
أن لا نعبد إلا الله. إذ لم يقل لهم الإسلام حينئذٍ ولا بد وبالإكراه أن تنتقلوا مما أنتم عليه إلى الإسلام، بل قال لهم. إذا ما بقيتم على ما أنتم عليه ولم تؤمنوا، والإيمان والهداية بيد الله، أن محمداً هو نبي الله، فكونوا مؤدبين مع المسلمين، والمسلمون أُمِروا أن يكونوا مؤدبين معكم. تعالوا يا أهل الكتاب، يعني لماذا تنقمون منا؟ بأي سبب؟ هل لأننا كفرنا بالله وعبدنا الوثن كما
ادعى بعض الكاذبين؟ هل لأننا كفرنا بالله وعبدنا البشر؟ هل لأننا كفرنا بالله ولم نوحده لأي سبب هذا العدوان؟ هل تنقمون منا إلا أننا آمنا بالله؟ ما هذا؟ إن قلتم: "نحن نؤمن بالله وبسم الله"، فنحن نقول: "نحن نؤمن بالله وبسم الله". إذاً كان ينبغي علينا مع المفاصلة واختلاف العقائد أن نتعايش وما أُنزل إلي. نحن نقدس القرآن ونحترمه لكنكم لا
تقدسون القرآن ولا تحترمونه. هذه الطائفة التي تكلمنا عنها والتي هي بعض أهل الكتاب، لا تحترمونهم ولا تؤمنون بالنبي وتسبونه. إذاً من أنا؟ أأستطيع أن أسب عيسى؟ أأستطيع أن أسب موسى؟ حسناً، لكنني لن أكون مسلماً أصلاً، وليست لدي مشكلة في ذلك. الكل يقول له سيدنا عليه الصلاة والسلام، سيدتنا مريم عليها السلام، هؤلاء الذين نقول عنهم هكذا. وعندما نقول ليست لدي مشكلة، المشكلة عند غيري وليست عندي أنا، فتعالوا إلى كلمة سواء. هل تنقمون منا إلا أننا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل
من قبل، وأيضاً يا رب هذا نحن. آمنت بكل ما أُنزل من قبل هنا في الأزهر الشريف، كان لدينا رجل عظيم، شيخ للأزهر في منتصف القرن التاسع عشر، كان اسمه الشيخ البرهان إبراهيم الباجوري رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وكان الشيخ الباجوري يُدرِّس هنا في المكان الذي أنتم جالسون فيه هكذا الفقه الشافعي والتوحيد والمنطق. والبلاغة والنحو علامة كبيرة الشيخ إبراهيم الباجوري رحمه الله، وكان شيخاً للأزهر لأنه كان من كبار كبار العلماء، وكان رجلاً طيباً صالحاً رحمه الله تعالى. فهو يدرّس
في التوحيد فتناول هذه النقطة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل الأنبياء وبكل الرسل وبكل الكتب، وأخذ يقول ذلك، فواحد من قال له أحد نُجباء الطلبة: "يا سيدنا الشيخ، افترض أن شخصاً سألني سؤالاً محرجاً". قال له: "ما هو؟". قال له: "إن الأنبياء كثيرون، وفي رواية للترمذي أن عددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، ونحن لا نعرف أسماءهم، والرسل ثلاثمائة واثنا عشر. افترض أن شخصاً جاء وقال لي: هل
عويس مؤمن به أنه..." أنبي هو أم ليس نبياً، وبعد ذلك ليس لدي من أسلافي أحد اسمه عويش، ماذا أفعل الآن؟ إذا قلت أنه نبي وظهر يوم القيامة أنه ليس نبياً فستكون مشكلة، وإذا قلت أنه ليس نبياً وظهر يوم القيامة أنه نبي فستكون ورطة أخرى، فإذا سألني أحد ماذا أفعل، قال له إذا سألك... شخص: هل عويس نبي وتؤمن به؟ فقل: آمنت به إن كان نبياً. ما هذا؟ لماذا يفعل المسلمون هكذا؟ حريصون على أنهم قد آمنوا بكل رسول جاء من قبل، وما فائدة ذلك؟ يفيد في كثير من الأمور، يفيد أن
كل قوم ادعوا لأنفسهم كتاباً فنحن نعتبرهم من أهل الكتاب، ولذلك... عندما سُئل النبي عن المجوس، قال إنهم جاءهم شخص اسمه زرادشت. وحول ما إذا كان زرادشت هذا نبياً أم ليس نبياً، فقد يكون نبياً وقد لا يكون نبياً. قال: "سنّوا بهم سنة أهل الكتاب"، أي عاملوهم معاملة أهل الكتاب التي وُضحت في القرآن من التعايش والمودة وغير ذلك، فكل... من سيدّعي أن في كتاب سأعمله وأجعله مثل أهل الكتاب، سيكون نافعاً في العلاقات الدولية وسينفع في علاقات التعايش والتعاون بين البشر؟ هل سينفع هذا الكلام البسيط الذي يقوله سيدنا الباجوري الذي يقول آمنت بعزير
إن كان نبياً؟ هل سينفع معي هنا؟ فسجل هذا الكلام في حاشيته على التوحيد أنه لو... سُئلت عن فلان وأنت لا تعرف من هو هذا الشخص، أتؤمن به نبياً فتقول: آمنت به لو كان نبياً. ما هذا! فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.