سورة المائدة | ح 1005 | 60 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن". سواء السبيل لا يزال ربنا سبحانه وتعالى يعلمنا الصفات الذميمة التي يغضب عليها وتعليمنا إياها على أمرين: أن نقر بقبحها أولاً، وأن نبتعد عنها نحن ثانياً. قل، وكلمة
قل فيها معنى التبليغ والتبليغ بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لا ينتهي إلى يوم القيامة، بدأ ولا ينتهي إلا... يوم القيامة فلما نأتي بقية فيها قل، فهذا تكليف بالتبليغ لأمة المسلمين، وبه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلّغوا عني ولو آية". قل، إذًا الذي بعده على الفور يكون تبليغًا، يكون دعوة. "هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله"، يعلمنا
ربنا سبحانه وتعالى من أساليب الحوار مع... البشر مع الآخرين، السؤال والسؤال في اللغة قد يكون للاستفهام وتحصيل الجواب، وقد يكون للاستنكار، وقد يكون للتعجب، وقد يكون للاسترحام طلب الرحمة أو إعطاء الرحمة، وقد يكون للوعيد والتنبيه والتهديد. وهذا
السؤال الذي معنا هو من هذا النوع: "هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله"، إنه يهددهم بهذا. لا أنتظر أن يقولوا له نعم أنبئنا أو لا لا تنبئنا، لأن "هل" هنا ليست للاستفهام، وإنما "هل" هنا، وإن كانت من أدوات أو أسماء الاستفهام وكل شيء، لكن "هل" هنا في الحقيقة هي للوعيد والتهديد، مثلما يقول رئيس المصلحة للموظف الذي تحت إشرافه: "هل أحيلك إلى التحقيق الآن؟ هل...؟" أذهب بك إلى التحقيق، هذا تهديد ووعيد. هل
أوقع عليك الجزاء؟ هذا أيضاً ما هو؟ أليس يعني أنها ليست ديمقراطية؟ ليس يعني أنه يستشيره، بل هو يهدده. وهذا التهديد معناه الالتفات إلى أنه ينبغي علينا أن نلتفت لما هو أشد شراً مما سبق. الذي سبق أنهم ينقمون منا والذي سبق. أن كثيراً منهم فاسقون في الآية التي قبلها "قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون". قل
هل أنبئكم بشر من ذلك الذي هو سبق هذا مضمون ما سبق مثوبة عند الله. أي أن المثوبة عند الله ستكون. بالشر المثوبة قد تكون بالخير وقد تكون بالشر، وإن كانت هي في الخير أكثر استعمالاً. مثوبة أجر، قال: أعطيك إذن أجراً، ولكنه أجر شر في مقابل ما الله من لعنة الله. طيب، ومن لعنه الله؟ من هو
هذا الذي لعنه الله؟ الذي لعنه الله هو من ارتكب كبيرة عند... الله، ولذلك فمن علامات الكبيرة اقتران هذا الذنب باللعن، فعندما نرى "لعن الله كذا" فهذا يعني أن هذا الأمر كبيرة من الكبائر. لماذا؟ لأن من علامات الكبيرة اللعن. من علامات الكبيرة أن يرد فيها لعن أو أن يرد فيها خلود في النار كالقتل العمد، أو أن يرد فيها غضب الله، أو أن... ينص في الحديث على أنها كبائر الموبقات سبعة،
أي أن الموبقات شيء كبير، ويظهر ذلك في النص أو اللعن أو الخلود في النار أو الغضب، وهذه علامات الكبيرة. فإذا كان منها اللعن، فالذي لعنه الله هو ذلك الذي يرتكب الكبيرة، حينما نتتبع ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن. عن الكبائر، ثمة خمس علامات تدل عليها، وهي أن يجعل الله بإزائها حداً مثل حد السرقة وحد الزنا وحد القتل وحد كذا، فيكون هناك حد يُقام على الإنسان، يعني مثل حد الخمر، فتكون
هذه كبيرة. فلو جلسنا نعد الكبائر، هل يمكن أن نحصي الكبائر؟ فقد ألف الإمام الذهبي كتاباً سماه... حاول في كتاب "الكبائر" أن يجمع كل ما ورد من الكبائر بهذه الصيغة بأن يكون ذنب فيه لعنة أو خلود في النار أو حد أو غضب أو نص فعلاً بأنه كبير. عدّ من الكبائر أشياء كثيرة جداً، أشياء تصل إلى أربعمائة كبيرة، أربعمائة كبيرة، أربعة صفر. صفر أربع مائة، والإمام ابن حجر الهيتمي ألّف كتاباً آخر سماه "الزواجر عن اقتراف الكبائر"، فذكر
فيه أن شهادة الزور من الكبائر، وأنواعاً كثيرة من الكذب من الكبائر، والقتل من الكبائر، والسرقة والخمر والزنا والربا وشهادة الزور والسحر والفاحشة والشذوذ، كل هذا جعلوه من الكبائر، ونبش القبور من الكبائر، إذاً فالذي... يسأل ويريد أن يبعد عن لعنة الله، فالقوم يقرؤون الكبائر ويبتعدون عنها. فجمع العلماء لما وجدوا المسألة كثيرة هكذا، ماذا فعلوا؟ قالوا: لنجعل الذنوب كبيرة وصغيرة. ذاك التقي يصنع كما من
يمشي فوق أرض الشوك، يحذر مما يرى. لا تحتقرن ذنباً صغيراً، إن الجبال تتكون من الحصى. يعني ليس المهم أن تعرف أن هذه كبيرة. لا توجد معصية صغيرة؛ فأنت قد ترتكبها على أنها صغيرة، وإذا بها كبيرة لأنها ترتبت عليها تداعيات أفسدت الدنيا. لذا ينبغي للإنسان ابتعاداً عن لعنة الله وغضبه أن يبتعد عن كل الذنوب بقدر المستطاع. فإذا وقع في الذنب، فلا يكون إلا عن ضعف، ثم يبادر بالتوبة ممن لعنه الله. نعرف فوراً إذا كان شخص يريد أن يُفصَل من رحمة الله عز وجل. نعم، هناك كلمة "لعنه الله" التي
تحتوي على كتاب واثنين في هذه الكلمة فقط، وغضب عليه وجعل منهم... حسناً، الذي طُرد من الرحمة عندما يطردهم من الرحمة تركوا. وإذا تركك الله - والعياذ بالله - فهذه تكون مصيبة. "ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين". ما الفرق إذاً بين اللعنة؟ وَالغَضَبُ واللَّعْنَةُ فِيهَا تَرَكَ سَابِقٌ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، هَذِهِ مُصِيبَةٌ كَبِيرَةٌ، وَالمُصِيبَةُ الَّتِي أَكْبَرُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُكَ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنْكَ، فَتُصْبِحُ بَلِيَّةً كَبِيرَةً. فَاللَّعْنُ يُرَدُّ وَالغَضَبُ لَا، لَنْ يَتْرُكَهُ بَلْ سَيَصُبُّ عَلَيْهِ العَذَابَ. حَدَثَ ذَلِكَ فِي أُمَمٍ
سَابِقَةٍ بَعْدَ مَا فَعَلُوا بِأَنْبِيَائِهِمْ مَا فَعَلُوا. وبعد ما انحرفوا واشترطوا وأفسدوا في الأرض أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم غضبه وجعل منهم القردة والخنازير وعبدة الطاغوت في أمر كان يُسمى المسخ، وعندما أرسل الرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ألغى الله المسخ، فلم يعد هناك مسخ، وكان المسخ لا يمكث فوق ثلاث ليالٍ ثم... يموت، ينتهي. لا أحد يقول لي ما هذا! هذا الخنزير من الممكن أن يكون منهم أم لا؟ لا، هذا الكلام فارغ، لأن هذا المسخ هو تحول أيضي - تحول أيضي يعني أن يتحول شيء إلى شيء آخر
ثم يفنى أو يموت بإذن الله. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.