سورة المائدة | ح 1006 | 60 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل وعبد الطاغوت والطاغوت كل ما يُعبد من دون الله سبحانه وتعالى وهي صيغة عربية قليلة الورود عظيمة المعنى، فكلمة الطاغوت كلمة
لها وزن ووزن عليها لاهوت ووزنوا على مثلها رحموت ووزنوا أيضاً على مثلها عظموت من العظمة والرحمة والألوهية وهي تفيد المبالغة في الشيء وهذه سماعية أي أننا سمعنا من العرب رحموت وعظموت وطغوت لكن ليست قياسية. يعني أننا يمكن أن نصوغ بها أي شيء، فلا يجوز لنا مثلاً أن نقول رافوت من الرأفة مثلاً،
هذا غير صحيح. لماذا؟ لأنها سماعية، والسماعية نقف بها عند سماع العرب، فهم نطقوا باللاهوت وبالعظموت وبالرحموت وبالطاغوت ولم ينطقوا بالرافوت، فلا لا يمكن لأحدنا أن يقيس لأنها هكذا وردت، والطاغوت من الطغيان، لأن عبادة غير الله سبحانه وتعالى فيها تجاوز عن الحد. طاغوت فيها طغيان، والله سبحانه وتعالى لا يحب الطغيان لا في السلوك ولا في الاعتقاد. وإذا
تجاوزنا التوحيد الخالص نكون قد طغينا أي تجاوزنا الحد، فعبادة غير الله سبحانه فيها تجاوز الحد وعبَدَ الطاغوت وجعل منهم القردة والخنازير وعبَدَ الطاغوت، أولئك هؤلاء الذين تجاوزوا، وهؤلاء الذين غضب الله عليهم، وهؤلاء الذين لعنهم الله سبحانه وتعالى شرٌّ مكاناً. وكلمة "شر" وكلمة "خير" تَرِدُ هكذا، والقصد منها أفعال التفضيل. كلمة "شر" معناها
"أشر"، وكلمة "خير" معناها "أخير"، وعندما نستعمل أفعل التفضيل. في الفهم العربي أننا نقارن بين شيئين، أول شيء مباشرة حالما نسمع كلمة "أشر" أو "أفعل" أو "أخير"، فهذا يعني أن هناك شيئًا اشترك في المعنى وزاد أحدهما على الآخر في ذلك المعنى. فعندما نقول "أجمل وأجمل منك لم تر قط عيني"، فهذا يعني أن هناك طرفين بينهما مقارنة.
يشتركان في الجمال إلا أن أحدهما أكثر جمالاً وهو الصفة التي اشترك فيها مع الآخر. فكلمة "أجمل" معناها إثبات الجمال لطرف وإثبات الجمال الزائد لطرف آخر. فإذا قلت لأحدهم "إنك جميل" لم يعنِ ذلك زيادة الجمال فيه، لكن لو قلت له "إنك أجمل" يعني هذا زيادة الجمال فيه. فأيهما... أبلى جميلٌ
ولا أجمل، فالأجمل فيها منافسة ثم فيها فوز، ففيها طرفان يتنافسان مع بعضهما، لكن أحدهما غلب وفاز. إذًا دائمًا صيغة أفعل التفضيل فيها فوز، فعندما قال "وأجمل منك" إنما يقصد الزيادة والفوز والربح، فإن أحدًا من الكائنات الجميلة - لأن غير الجميل خارج من المنافسة - إنما الذي الجمال كله إذا قارناه بجمال سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم لكان جمال سيدنا أعلى،
فيصبح هو الفائز، ويصبح هو الأربح والأجمل منك. ثم التي بعدها: لم تر قط عيني أجمل منك، لم تلد النساء، خُلِقتَ مبرأً من كل عيب، كأنك قد خُلِقتَ كما تشاء. فاللهم صلِّ وسلِّم على سيد التفضيل يقتضي المشاركة إلا أنهم في ذلك قد قالوا كلاماً يقتضي المشاركة غالباً وليس دائماً. قالوا إنه لا يقتضي المشاركة
غالباً. قال: حسناً، إذا لم يقتضِ المشاركة فماذا يتبقى من أفعل التفضيل؟ يتبقى الفوز والربح. لقد قلنا إنه يقتضي المشاركة ويقتضي أن أحدهما أزيد من الآخر، فهو يقتضي ذلك. شيئان: المشاركة هي رقم واحد، والزيادة رقم اثنين. فهذا يقتضي المشاركة غالباً. حسناً، إذاً هنا لا توجد مشاركة. عندما يقول غالباً، فما ليس غالباً لا توجد فيه مشاركة. إذاً ماذا يوجد؟ قال: توجد زيادة التي تدل على الربح في المنافسة، وكان
الآخر يتضاءل حتى وصل به الحال إلى أنه عدم كالعدم عندما يكون أجمل من باب أفعل التفضيل الذي يقتضي المشاركة فإننا نسير على الغالب، وعندما تكون أجمل على غير بابه، أي ماذا يعني على غير بابه؟ يعني لا تقتضي المشاركة، وما معنى ذلك؟ أنه هو الجميل وحده فقط، حسناً، والآخر لا يصح أن يُقارن به، لا علاقة لهذا بذاك. معناه أن الطرف الأول هو الذي بقي والطرف المنافس هو عدم أو كالعدم، مثل الانتخابات
المفترض أن يترشح فيها عدة أشخاص ثم تُجرى الانتخابات وبعدها يفوز أحدهم ويخسر الآخر. حسناً، افترض أنه لم يترشح إلا شخص واحد فقط، فيقولون إنهم أخذوها بالتزكية. التزكية هنا تعني أنه لا يوجد منافس، فيكون الذي سيفوز بها لأنه لا يوجد منافس، هو لا أحد أمامه، لا أحد بمستواه. إذاً، صيغة التفضيل قد ترد لتفيد المشاركة غالباً، وقد ترد على غير أصلها. فهمنا هذا الكلام، فهمناه. فعندما يقول "أولئك شر مكاناً" يعني أشر مكاناً، حسناً، والمؤمنون
فيهم بعض الشر، فيكون هذا ليس على أصله، ويكون... هؤلاء شر وأفعل تفضيل، لكن الشر كله والذين أمامهم ليس فيهم ولا قطعة شر، فالشر فيهم عدم أو كالعدم. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله