سورة المائدة | ح 1007 | 61 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. معَ كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ وعندَ قولهِ تعالى: "وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد". خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون. يحدثنا ربنا سبحانه وتعالى وهو يحدثنا عن الأمة وعن أركانها وقوتها وسنادها ووحدتها، يحدثنا عن طائفة
من الناس يتكلمون بألسنتنا ويندسون في أوساطنا. آمن لسانهم لكنه لم تؤمن قلوبهم، بمعنى أنه قد صرَّح بالإيمان لفظاً لكنه أضمر الكفر قلباً، وهذا الصنف من الناس. أشد خطورة حيث إن الله سبحانه وتعالى قد سمح للناس بأن يظهروا عقائدهم، بل وأن يتمسكوا بها، وجعل حسابهم على الله غداً يوم القيامة. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ما على الرسول إلا البلاغ، وما أنت عليهم بمسيطر، إنك لا تهدي من أحببت ولكن
الله يهدي من يشاء. آيات "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" و"لكم دينكم ولي دين" واضحة في منح الحرية التامة. وقد جعل المنافقين الذين لا يُصرحون بمعتقدهم بعد أن أتاح لهم الحرية في الدرك الأسفل من النار، "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار". إذا أعطى للإنسان حرية الاعتقاد وأعطى له التصريح بذلك وجعل... الذي يصرح بعقيدته ولو كانت كفراً أولى عنده وعند المؤمنين من ذلك الذي يؤمن بلسانه ولا يؤمن بقلبه فيكون من المنافقين. نجعل
هذه الطائفة ونعدها من أخطر الطوائف لأننا أيضاً قد أُمرنا بأن نحمل الناس على ظواهرهم وأن لا نفتش في قلوب الناس، ولذلك فقد أُمرنا شرعاً بأن نحتضن أولئك. المنافقين وإلا نتهمهم بالكفر، لكن هذا عدو لا شأن لي به، هل شققت عن قلبه؟ هذا سيخرب بيتنا. ليس لي تدخل ولا نلتفت إليه، فالأمر إذاً بيد الله، والمسلم في ذلك يتوكل على الله.
سيغنينا الله من فضله ورسوله، يعني حسبنا الله، أي كفاية الله ونعم الوكيل. فموقفنا مع هؤلاء هو موقف التوكل على الله سبحانه وتعالى، ومن هنا كانت من العظائم ومن الكبائر قضية التكفير، أن نكفر الناس، حتى سمى الفقهاء المسلم بالمسلم الصعب. سموا المسلم ماذا في كتب الفقه هكذا؟ هذه العبارة "المسلم الصعب". صعب كيف يعني؟ صعوبته ليست في أخلاقه أو أنه شديد، لا، إنه رحيم وودود وهكذا. صعب بمعنى آخر. أن تخرجه من ملته صعب، أن تخرج المسلم بعد أن شهد الشهادتين من الإسلام، لكنه
يرتكب المعصية، لا فائدة، لا يخرج من الإسلام، لكنه يفعل ويفعل ويدبر وما إلى ذلك، لا يخرج من الإسلام، فسموه ماذا؟ المسلم الصعب، صعب بالرغم أن نفاقه واضح، نعرفه في لحن كلامه وبالرغم من ذلك لا نستطيع أن نكفّره. وإذا جاءوكم، إذا لم يقتصر الأمر هنا على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قد كشف له بعين بصيرته وبوحيه المنافقين، فهو
يعرفهم. ولكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يدّعي ذلك. وإذا كان رسول الله... صلى الله عليه وسلم عرفه وبالرغم من ذلك لم يخرجه بالرغم من معرفته له، يعرفهم جيداً، إلا أن رأس المنافقين عبد الله بن أبي وكانت أمه اسمها سلول فكان يقال ابن سلول، فتضع في الألف هنا ماذا؟ ألف في ابن لأن هذه صفة لعبد الله، عبد الله بن أبي ابن. سلول ليست بالكلمة التي تحمل الألف، بل إنك تخبر عنه أنه ابن سلول التي هي السيدة أمه. فعبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين يرسل
إلى النبي قائلاً: "يا نبي الله" ويمشي وراءه قائلاً: "يا نبي الله" وهو ليس مؤمناً. أرسلَ إليه: "أرسل لي عباءتك حتى أُكفَّن فيها"، فأرسل له عباءته صلى الله عليه وسلم. حتى يُكَفَّن فيه وصل على فيصل على. إذا هذا الرحيم صلى الله عليه وسلم وقد كان يعرف كل شيء بإذن الله وبعون الله وبإعلام الله له، لا يقتصر الأمر عليه بل إن الأمر يمتد إلى أمته ومن بعده، فقال: "وإذا
جاءوكم" وليس "وإذا جاءوك"، إذاً هنا الخطاب إلى الأمة يستمر. معه قالوا آمنّا، قال آمنّا يعني ولم تؤمن قلوبهم، قالوا آمنّا وربنا يكشف حالهم، وقد دخلوا بالكفر عليكم، لمّا دخلوا عليكم دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به من عندكم، يعني داخل كافر خارج كافر، لم يتأثر، لم يتأثر بجماعة المسلمين، لم
يتأثر بما يذكرونه من علم، فإن مجلس المسلمين دائماً... هو مجلس ذكر ومجلس علم ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم على حلقتين بالمسجد إحداهما تذكر الله وإحداهما يتدارسون شيئا من العلم فقال هؤلاء على خير وهؤلاء على خير ثم انضم إلى التي هي بالعلم صلى الله عليه وسلم. ففي المسجد إما أن المسلمين يذكرون الله وإما أنهم يتدارسون فيما بينهم، يدخلون ويخرجون. على هذه الصفة يعني هم عندما دخلوا عليكم وجدوكم ماذا وابن ماذا؟ إما أنكم تصغرون ولا توجد فائدة، لم يؤثر الذكر فيهم، وإما أنكم تتعلمون وتدرسون فلم يؤثر العلم
فيهم. إذاً هؤلاء الناس رفضوا طريق الله: الذكر والفكر، شيئان هكذا هما الذكر والفكر. دخلوا على المسلمين، يعني دخلوا على ذكر وفكر، حسناً. ما نستفيده من هذا أنه يجب علينا أن تكون مجالسنا مجالس ذكر أو فكر أو هما معاً، فالإيمان بين الذكر والفكر. وكان الصحابة أحدهم يقول لأخيه: "تعال بنا نؤمن ساعة، تعال بنا نؤمن ساعة"، فكانوا يتدارسون العلم أو يتذاكرون القرآن أو يذكرون الله سبحانه وتعالى. "وإذا جاءوكم قالوا آمنا".
وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون. ففي كتمان لحالهم ومحاولة لهذا ولذلك فالأمر مبني على العفو، مُرجَع إلى رب العالمين. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.