سورة المائدة | ح 1009 | 63 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1009 | 63 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ. معَ كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ وعندَ قولِهِ تعالى: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. الربانيونَ والأحبارُ هُمُ العُبّادُ والعلماءُ، والأحبارُ جمعُ حَبْر أو حِبْر، أفادَهُ ابنُ. العصاة وقال هو يأتي من المداد الذي يكتب به العلماء ولذلك فأجاز حبر في حين أن الجمهور أنه أحبار مفردها حبر والربانيون أولئك الذين
بينهم وبين الله سبحانه وتعالى صلة وهم العباد الذين اتقوا الله سبحانه وتعالى فعلمهم الله ترى أحدهم كثير الذكر كثير الدعاء كثير الصلة بالله مرشد يذكرك وجهه بالله إذا رأيته ذكرت الله، من الصالحين، وهؤلاء نراهم كثيراً، نرى وجوههم منيرة، والحمد لله رب العالمين. وهذا النور الذي في الوجه يأتي من أمور كثيرة، منها قيام الليل، ومنها كثرة الذكر، ومنها كثرة الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها العفاف والبعد عن الخنا والفاحشة.
ولذلك ترى نساء المسلمين في كبر سنهن قد أنارت وجوههن جداً وذلك من العفاف. المسلم يعرف أن الربانيين هم أولئك الذين يدعون فيستجاب لهم، والأحبار هم أولئك الذين يعلمون الناس الخير على العلم. يقول الإمام السيوطي في كتاب ماتع له اسمه "تأييد الحقيقة العليا في تأييد الطريقة الشاذلية" يقول إن وجود الربانيين
فرض كفاية في الأمة، يعني يجب أن يكون هناك شخص، وليس المقصود أن تذهب إليه الأمة كلها. تذهب إليه وتقول له: ادعُ لي، فيدعو لك فيُستجاب، فتصبح مسروراً، والهم الثقيل الذي عليك يزول ويخفف عنك قليلاً. كان هناك من يحب الشيخ، شيخ مشايخنا، الشيخ محمد أمين البغدادي رحمه الله تعالى. وكان عليه شيك في المحكمة وقضية فانقطع عن الشيخ شهراً أو شهرين، فهمَّ في الدين، همٌ بالليل
وذلٌ بالنهار. وبعد ذلك قابل الشيخ مرة هكذا خلف سيدنا الحسين هنا، فقال له: "لم نرك منذ زمن، لماذا؟". كان النبي يتفقد أصحابه، فعندما لا يراك مدة طويلة هكذا، يقوم ويقول لك هكذا. قال له. أنا صاحب هَمٍّ ولا أريد أن أُثقِل عليك بهمي يا سيدنا. قال له: حسناً، تعالَ لكي ندعو لك. هَمٌّ ماذا؟ لا قدَّر الله. قال له: لديَّ قضية فيها كذا وكذا، والرجل يريد أن يحبسني. فدعا له الشيخ وانصرف، وذهب الرجل إلى المحكمة، فإذا بالرجل يتنازل عن القضية ثم يعفو عنه في دينه. قال... فقال له: خلاص، عفونا عنك. وأنا
مخطئ. ثم قبَّل رأسه وأسقط عنه دينه. فذهب فرحاً إلى الشيخ وقال: يا سيدنا، الحمد لله. فقال له: ألم أخبرك منذ قليل أن هؤلاء من الربانيين، ووجودهم في الأمة فرض كفاية؟ لا بد أن يكون هناك أناس هكذا تذهب إليهم وتقول: ادعُ لي. أناس من الصالحين هكذا، وليس ضرورياً أن يكونوا من العلماء. أبداً لكن يكون من الصالحين ويدعو لك، أما الأحبار فهم العلماء الربانيون لأنه رجل تقي، قال تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله"، أيضاً عنده علم ولكن ليس علماً أكاديمياً، لا
يعرف معنى الآية. العلم الأكاديمي هذا ليس ضرورياً، كانوا يقولون لسيدنا الشيخ الخطيب رحمه الله: نجد بعض الأخطاء النحوية في... الوظيفة الزروقية: الشيخ زروق من أولياء الله الصالحين، إنما فيه بعض الهنات. قال له: ما هو كان من الربانيين وليس من الأحبار، يعني هذا أمر سهل، فالرباني ليس بالضرورة أن يكون لديه العلم الأكاديمي أو ما شابه، ولكنه منور. فكانوا ينهونهم عن أكل السحت، لأن الرباني لا يحب الرشوة ولا الاغتصاب. ولا السرقة ولا الإهانة هذه كلها، فينصحك في دينك مرشد، والأحبار ينهونه، هذا يقول له حرام عليك، وهذا يقول له لقوله
تعالى كذا، ولقول النبي كذا، ولأن العلماء أجمعوا على كذا. يعني إنما الاثنان يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم"، والإثم في القول يتمثل. شهادة الظلم وتتمثل في الكذب وتتمثل في الغيبة والنميمة والبهتان وتتمثل في كتمان الشهادة أي يقول لا أعرف وهو يعرف، لن أشهد، مع أن كلامه فيه إثم. فالإثم في القول متعلق باللسان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
حذر معاذاً من اللسان فقال: أنؤاخذ بما نقول يا رسول الله؟ ما... نحن قاعدون نقول لا يحدث شيء يعني قال: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم". هل هناك شيء يُدخل النار أكثر من حصائد الألسنة؟ وكان يقول: "اضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك الجنة" صلى الله عليه وسلم. مهمة الربانيين ومهمة الأحبار في المجتمع هي البيان. فلا بد أن يبلغوا عن الله سبحانه وتعالى، ولا
بد عليهم أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، ولا بد عليهم من إسداء النصيحة، ولا بد على المجتمع أن يستمع إلى هؤلاء لأن نصحهم صادق يخرج من قلوبهم، يُصلح حال الناس، يريدون به عمارة الكون، يريدون به الخير والحق، ولذلك. فلا بد أن نستمع إليهم، والاستماع قد يكون بالظاهر وقد يكون بالاستجابة. سمعتك، حسناً، لقد فهمت. حسناً، أين؟ يقول لك أربع مراحل يتلوها
خامسة: أن تستمع، ثم أن تفهم، ثم أن تصدق، ثم أن تحفظ، ويتلوها العمل. فلو لم تسمع، فلن تفهم ولن تصدق، فاسمع. العمل باسم أول آية مرحلة وهي الاستماع. اسمع أولاً، وبعد ذلك افهم، وبعد ذلك صدّق وآمن، وبعد التصديق احفظ، وبعد الحفظ اعمل. إن أنا لو لم أسمع ضع عليك هذا كله. "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس
ما كانوا يصنعون". أما لو لم يكن الأحبار والربانيون نهوكم كنت... ماذا ستفعلون في نهي الأحبار ونهي الربانيين عن أكل السحت وقول الاسم وغير ذلك إلى آخره في التبليغ وفي إقامة الحجة على الناس والإعذار بأنهم ليس لهم حجة وليس لهم أن يعتذروا بعدم العلم، ثم بعد ذلك الاستماع، وبعد الاستماع بمعنى الاستجابة يكون حسن الصناعة، صناعة الفعل، ولكنهم لم يفعلوا هذا. فلم يستجيبوا لهم فذمهم
الله سبحانه وتعالى لبئس ما كانوا يصنعون. يجب علينا أن نتخلق بهذه الأخلاق وأن نبتعد عن الإثم في القول والعمل وعن العدوان وعن أكل السحت، ويجب علينا أن نحافظ على الصلة بيننا وبين الله وأن نكثر الدعاء وأن نكثر الذكر، لأن النبي صلى الله عليه. وسلم قال: "الدعاء هو العبادة" والذكر لأن الله سبحانه وتعالى جعله دليلاً على رقة القلوب وعلى الفضل العميم فقال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث قدسي يبلغ فيه عن ربه: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". فاللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.