سورة المائدة | ح 1010 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1010 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من". رَبُّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً إِلَى آخِرِ الآيَةِ. فِي هَذِهِ الآيَةِ يُبَيِّنُ رَبُّنَا مَوْقِفَ طَائِفَةٍ مِنَ اليَهُودِ وَكَيْفَ يَكُونُ
إِيمَانُهَا بِرَبِّنَا. فَهُنَاكَ طَائِفَةٌ مِنَ اليَهُودِ تَتَصَوَّرُ رَبَّنَا جِسْماً يَلْعَبُ الشَّطْرَنْجَ مَعَ المَلَائِكَةِ، وَعِنْدَهُمْ مَا يُسَمَّى بِالبَدَاءَةِ، وَالبَدَاءَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ يَرْجِعُ فِي قَرَارَاتِهِ وَفِي أَوَامِرِهِ، وَيُفَكِّرُ فَيُغَيِّرُ رَأْيَهُ، وَعِنْدَهُمْ سُورَةُ مَا قَدَرُوا. فيها قدر الله جل جلاله، وهذه مصيبة كبرى وبلية عظمى، ومنها هذه الطائفة التي قالت يد الله مغلولة، يعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على كل شيء قدير كما
هو في عقيدة المؤمنين، بل أنه لا يستطيع أن يفعل أو أن يترك أو أن ينفق، وترتب على هذا أن... الله عندهم -جلّ جلاله- لا يستطيع أن ينال طائفة اليهود، يعني لا يقدر أن يفعل لهم شيئاً. لا حول ولا قوة إلا بالله. بعض هذه الطوائف بادت ولم يعد لها وجود الآن، وبعض هذه الطوائف ما زالت موجودة. وهذه المذاهب الكافرة التي تظن في الله غير الحق،
وقالت اليهود. ويبدو أن هذه المقولة كانت شائعة فيهم وقالت اليهود ولذلك لم يقل بعض اليهود وهناك ما يسمى بالغلبة فعندما يكون الرأي رأي الأغلبية فإنه يُنسب إلى الكل وقالت اليهود يد الله مغلولة كفر أخذ العلماء من ذلك أن حكاية الكفر مع بيان كفريته جائزة يعني أنت عندما تحكي كلامًا الكفار الذي هو كفر فخروجه من فمك على جهة الاستعداد للرد أو على جهة
الاستعداد لبيان حاله أو على جهة إزالة الشبهة عن أذهان الناس جائز، حتى قالوا: ناقل الكفر ليس بكافر. وأصبح هذا المعيار والمفتاح مهماً في فهم كلام الناس، فعندما تسمع من تقي نقي مؤمن كلاماً موهماً قبيحاً من أنواع الكفر فتقول لعله أن يكون حاكياً وناقلاً لا معتقداً ومصدقاً، فهو نوع من أنواع القاعدة نفسها، نوع من أنواع الفهم الصحيح لكلام الناس ومخرج بالتأويل، لأن المؤمن يصعب أن تكفّره أو أن تنسب
إليه الكفر، فإذا رأيت كلمة فيها شيء غير صحيح شرعاً، يجب أن يخطر في بالك. أنه لعله أن يكون أحد من ضمن هذه المفاتيح التي نؤول بها كلام الناس أنه لعله أن يكون غير تام. فعندما مثلاً تسمع "فويل للمصلين" يقول لك هذا القرآن يقول "فويل للمصلين"، تقوم أنت مباشرة وتقول: لا، هذا الكلام لابد له من تكملة، هناك تكملة هنا، حسناً، أكمل الذين... هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. نَعَم، هذا كلام اتضح. "لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ" غير معقول! يعني هل ربنا يأمرنا أن لا نقترب من الصلاة؟
"وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ". إذاً هذا أيضاً من ضمن الأشياء أنه عندما يأتيك خبر وترى فيه غرابة، عليك أن تقول: "لعله أن يكون..." هناك راوٍ يروي عن شخص آخر، أو لعله إلا أن يكون ناقلاً، فهذا في كلام وكثير من الناس من يستعمل هذا الكلام، فيأتي ناقلاً لك جزءاً من الكلام ويخفي جزءاً آخر حتى يوقع الفتنة والضغينة بين الناس. وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم. أخذ العلماء من هذا أن الجزاء العمل مغلولة غلت
هذا الرد يكون بقدر ما كانت الأذية والضرب والعمل. عندما وصفوا - جل جلاله - الله بأن يده مغلولة، فرد عليهم: "غُلَّت أيديهم". فيكون هنا أن الجزاء من جنس العمل. هذا ما يجب أن يكون عليه تفكيرك وعقلك، وأنت يجب أن تكون عادلاً ومن... العدل المساواة فيعني أن تقول له مثل ما قال، ولذلك عندما كان اليهود يقولون للنبي: "السام عليك يا محمد"، كان يقول لهم ماذا؟ "وعليك". أتنتبه؟ "وعليك"، فتكون المجازاة من
جنس العمل، والمجازاة مساوية للعمل. وقالت اليهود: "يد الله مغلولة"، أي مقيدة، بمعنى أنه لا يوسع علينا، لماذا؟ أو... مغلولة بأنه غير قادر على فعل أشياء، أو مغلولة بأنه أنشأ الدنيا على الندرة وليس على الوفرة. عقيدة المسلمين أن الله قد خلق الخلق على الوفرة، وفي عقيدة ثانية تقول: لا، هذه نظرة كل شيء
نادر، القمح غير كافٍ، البن غير كافٍ، المياه غير كافية، شيء كهذا والآخر. يقول: لا، أنتم الذين تُفسدون في المياه وتُفسدون في الزراعة وتُفسدون في ترتيب الأولويات وتُفسدون في توزيع الموارد وتُفسدون في الأرض بحرمان الخلق مما أنتج الله. لا توجد ندرة ولا شيء، فالشيء متوفر وكافٍ، ولكنكم أنتم الذين تسرفون فيه إسرافاً وفي مخالفة وفي ارتكاب للحرام. ولو تخيلنا أن إنساناً غنياً عن المحرمات فإن ماله يكفيه وأبناءه وأحفاده وأحفاد أحفاده مئات
السنين، ماله هو فقط من دون أن يعمل، فما بالك لو عملوا. أما الإنسان الذي يشرب كوكايينه فهم لا يكفيهم المال كله، فالحرام والإسراف وسوء التوزيع والظلم هو سبب الندرة النسبية لهذه الأكوان. وقالت اليهود يد الله مغلولة، غُلَّت. أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا. عِنْدَمَا بَدَأَ بَعْضُ المُفْسِدِينَ فِي مُحَاوَلَةِ تَحْرِيفِ كِتَابِ اللهِ، قَامُوا مَرَّةً بِطَبَاعَتِهِ طَبْعَةً هَكَذَا فِي إِفْرِيقِيَا، وَجَاؤُوا عِنْدَ الآيَةِ وَفَعَلُوهَا كَالتَّالِي: "وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ"، فَقَامُوا بِحَذْفِ نَقْضِ الآيَةِ "غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ"، "غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ"، وَقَامُوا بِإِضَافَةِ فَتْحَةٍ بَيْنَ اللَّامِ وَالْعَيْنِ فِي "لُعِنُوا" وَحَذَفُوا الْكَسْرَةَ الَّتِي تَحْتَ فأصبحت تنطق وآمن المسلمون بما قال فوراً لأنهم حافظون للكتاب ولأن الكتاب محفوظ من عند الله، اكتشفوها وكانوا قد طبعوا أربعين ألف نسخة، فأحرقوا النسخ المحرفة، ويبقى كتاب الله فوق كل محاولة للتحريف وفوق كل عقلية للتخريف. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة السلام عليكم